Skip to main content

تمهيد لا بد منه..

نورد هذه الملاحظات التمهيدية سواء كانت تاريخية أو تطبيقية بغرض الفائدة للجميع خاصة إذا كانوا أعضاء حقيقيين في كنيسة الله الحي.

أولاً- ارتداد الأمة وقضاء الرب عليها:

كان أول من أدخل العبادة الوثنية إلى مملكة إسرائيل ويهوذا هو سليمان بن داود الملك، إذ لم يكن قلبه كاملاً أمام الرب إلهه وتحول عن شريعة الرب ووصاياه. فيقول الوحي عنه "وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون.. موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات. من الأمم الذي قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة.. وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتروت إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس (أي وثن) العمونيين.. حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم. ولملوك رجس بنى عمون. وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن. فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين. وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى. فلم يحفظ ما أوصى به الرب" (سفر الملوك الأول ص11: 1-10).

ثم نقرأ بعد ذلك أن الرب مزق هذه المملكة من بعده إلى مملكتي إسرائيل ويهوذا. واستمر ملوك إسرائيل وملوك يهوذا مع شعبيهما في ترك عبادة الرب وإهمال كلمة الله وتحولهم إلى العبادة الوثنية. وظل الرب يؤجل قضاءه على هذه الأمة لأن "الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية، (الخروج34: 6و7)، حتى جاء "شلمناصر" ملك آشور وقوض مملكة إسرائيل (التي كانت تضم عشرة أسباط) سنة721 ق.م، حيث سباهم إلى أرضه (الملوك الثاني17). وكان الرب قد تمهل عليهم حوالي 260 عاماً، إذ توارد على تلك المملكة تسعة عشر ملكاً.

أما مملكة يهوذا (التي كانت تضم سبطي يهوذا وبنيامين) فقد أرسل الرب عليها "نبوخذ نصر" ملك بابل، وسباهم في سنة 588 ق.م. بعد أن تأنى الرب عليهم حوالي أربعمائة عام، كان قد وصل عدد الملوك الذين فيها- وهم سلالة داود- إلى عشرين ملكاً.

ثانياً- الطفل يوشيا في القصر الملكي تتجه إليه نعمة الله:

يوشيا، هو أصغر ملك عرفه التاريخ المقدس (المدون في الوحي الإلهي)، إذ تبوأ العرش وعمره 8 سنوات في مملكة يهوذا. وهو يعد من أعظم رجال الإصلاح-ٍ مع حزقيا الذي سبقه- في تاريخ الشعب القديم، فقد قاد بهما الله نهضة عظيمة في هذه المملكة في أوقات حالكة السواد وظروف أشد صعوبة وحالة انحطاط أدبي وأخلاقي رهيب- وبالاختصار حالة ارتداد عن عبادة الرب.

ولنتصور جو القصر الملكي الذي خرج منه يوشيا، بما فيه من شرور وارتداد لا تقل عن حالة الشعب- على الأقل، وكان أبوه آمون رجلاً شريراً كأسلافه، وبالتالي لم يكن يحيط بيوشيا رجال مصلحون أو صالحون، وفي ذات الوقت كانت أمامه مسئولية عظيمة كهذه- فماذا يفعل طفل في هذه الأمور؟!

وهنا يجد الله مجالاً له في وسط الخراب، وتتجه النعمة إليه لتشكله إناء للكرامة، وتؤهله بمواصفات محددة من التقوى والمواهب للقيام بالنهضة الإصلاحية لشعب الله. أنه مبدأ إلهي نراه في كل الكتاب، فالنعمة تجد طريقها حتى بين الخرائب، وبينما "كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة" كان "روح الله يرف على وجه المياه" ونقرأ أيضاً "حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً" (رومية5: 20).

ثالثاً- يوشيا يطلب إله داود أبيه:

وكان ذلك وعمره 16 عاماً بدأ يطلب إله داود أبيه. إنها نغمة جميلة وعذبة بين التشويش الحادث حوله، لم نسمعها من اللاويين المرنمين والذين يحرسون بيت الله ويقومون بخدمته، ولم نسمعها من الكهنة الذين يقدمون البخور والذبائح الليلية والنهارية. فقد أهملوا كلمة الله وخربوا بيت الله وتركوه ليصبح مكاناً للأرجاس.. ويا للخزي!! أما الفتى يوشيا فكان وجهاً منيراً في ظلمة محيطة به، وليس هناك من تفسير لهذه الظاهرة والتي نجدها في كل العصور، سوى النعمة وحدها.. فيالعظم النعمة!!

غير أن اللحظة التي يطلب فيها الإنسان الله هي بداية العلاقة الصحيحة مع الله، والتي تعني الحصول على "القلب النقي" أو "روح جديدة وقلب جديد"، وبلغة العهد الجديد "الولادة من فوق". فيها ينال الإنسان "حياة" من الله، هذه الحياة ليست من الأرض ولا تنتمي إلى طبيعة الإنسان وليست لها خصائص أرضية.. إذ بها نفهم أمور الله، ونعطش إليه ونطلبه.

رابعاً- النهضة التي قام بها يوشيا:

1- نزع العبادة الوثنية:

فبعد أربع سنوات من تجديده بدأ دوره الإصلاحي في المملكة، فقام بتطهير[1]يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل والمسبوكات، وهدم مذابح البعليم وتماثيل الشمس. هذا العمل الجبار لم يكن بالأمر الهين على الإطلاق، لقد كان يوشيا في حاجة إلى قوة أدبية تستند غيرته المقدسة على الحق. ومن الواضح انه كان متحلياً بتلك القوة. ذلك لأن الحماس وحده إما أنه يطيش ويفقد اتجاهه الصحيح، وإما أنه يبرد بعد وقت. أما القوة الأدبية مع الغيرة فهي بمثابة "الحكمة" و"الفطنة" في تطبيق الحق الإلهي ومعالجة الأمور الإلهية، كما أن القوة الأدبية تستبعد الذات والجسد من مشهد العمل الإلهي.

ومما لا شك فيه أن الغيرة المقدسة والجرأة في الحق وصراحة إعلانه تتفق مع صفات الله نفسها لكونه "القدوس الحق"، وهو "إله غيور" ويدين كل ما لا يتفق مع حقيقة نفسه.. لذلك كان على المؤمن أن يسير في توافق مع الحق، ولا يجوز له أن يبدأ علاقته مع الرب أو خدمته للسيد بحساسية واضحة للحق وغيرة له ثم تضعف حساسيته مع مرور الوقت.. فإن كنا نرى الباطل يسود العالم فذلك لا يزعجنا، ولكننا نرتعب إذا لم نجد كنيسة الله ظاهرة أنها عمود الحق وقاعدته عملياً، بمعنى أنه إذا لم تشهد كنيسة الله للحق الكامل فما هو إذاً غرض وجودها على الأرض؟!!

كان يوشيا في حاجة إلى جرأة تفوق قوة الآراء الشعبية والعرف السائد، ولا بد أن نتوقع- كما يحدث هكذا دائماً- أنه عندما قام بنزع الأرجاس (الأوثان) من المملكة أسرع إليه المستشارون والحكماء (الذين لهم حكمة هذا الدهر) وشيوخ إسرائيل ينصحونه بالتعقل والهدوء والتريث لدراسة الأمر جيداً، والحذر من سرعة التغيير لتجنب حدوث هزات ومضاعفات دينية واجتماعية وسياسية. وربما أيدوه في مبدأ التغيير ولكنهم يريدون "التغيير التدريجي".. أما يوشيا فقد تمم ما وضعه الرب في قلبه، طارحاً عنه مقترحات وجهاء المدينة وحكماء القصر. ونحن لا نستبعد حدوث معارضة شديدة لهذا العمل، وقد استغلوا حداثة سنة لتوجيه نقداً لاذعاً إلى شخصه واتهامه بالتهور والاندفاع في اتخاذ قرارات دينية، ولعلهم حذروه من تربص البعض له لقتله كما فعلوا مع أبيه. أما يوشيا فلم يضع قلبه للرد والإقناع وكثرة الجدل بغرض كسب أكبر عدد إلى صفه. ولكنه كان يتمم أمراً إلهياً مشغولاً به، كانت له ثقة شديدة جداً في الله أنه لا بد أن ينال البركة منه. ومن الملفت للنظر أنه كان يدرك حقيقة مركز شعب الله في نظر إله إسرائيل، ومن هذا المنطق منحه الرب حكمة، جعلته يسلك بتواضع أكثر. فأحبه الشعب جداً.

ولا يغيب عن بالنا أن يوشيا في السنين التي سبقت أعماله، كان الرب يجيزه في تدريبات سرية ضرورية للعمل الإلهي، إذ كان في حاجة إلى تعلم الاستناد على الرب وحده- حتى في أزمنة الخراب- وهذا درس عظيم النفع لنا، حتى لا نتعجل العمل الجهاري قبل أوانه، بل لنتدرب أن نتوارى بعيداً هاربين من الأضواء، ونقبل الاختفاء حتى ولو بقينا في عزلة عن الجميع، وابتعد عنا الأصدقاء والأحباء، فهذا نافع لارتقاء الإيمان واختبار الثقة بالرب وحده.

أما النفس التي لم تتدرب على "الفطام من" أو "الانفصال عن" كل متعلقاتها ومشتهياتها، فهي لا تصلح لعمل الله. فإذا كنا نسعى إلى الجماهير لنجتذبهم حولنا أو لنشغلهم بظروفنا وكلامنا ومشاريعنا، فنحن لا نخدم الله بل مصالحنا أو بطوننا. إن حيل النفس مكشوفة لدى المؤمن الروحي "والقلب أخدع من كل شيء وهو نجيس". وفي عمل الله ليحترص الخدام من استخدام الوسائل العالمية في اجتذاب الناس، إذ بتلك الوسائل دخل غير متجددين إلى كنيسة الله.

لم يكن يوشيا متساهلاً مع الأرجاس (الأوثان)، لكنه نزعها تماماً، فالتماثيل والمسبوكات دقها ناعماً وذرى غبارها على قبور كهنتها. أليس هذا ما فعله موسى أيضاً مع العجل الذي عبده إسرائيل، فيقول الوحي "ثم أخذ العجل الذي صنعوا وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعماً وذراه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل" (الخروج32: 20). فأين قوة الحق في المؤمن التي تجعله يحكم على الأرجاس ويعزلها تماماً من دائرة تعاملاته القريبة؟!! أين هذا من المجاملات وطلب مجد الناس والذي أصبح يمثل طبيعة علاقات الكنائس والمؤمنين بعضهم البعض؟! إن وجود تلك الأرجاس نزعت قوة الشهادة للحق،فمتى غاب تأثير الحق العملي فهل نرى المحبة الصادقة؟! لقد استبدلها الأخوة بديبلوماسية التعاملات.. ويا للأسف فقد ضعفت الحالة الأدبية بينهم وتسربت القوة منهم، ودخلت الأرجاس بيوتهم بل كنائسهم، لذلك لم يعودوا قادرين على نزعها أو دقها ناعماً وتذرية غبارها بعيداً.

والوحي لا يذكر إلا اسم يوشيا في قيادة هذا العمل المبارك، وهذه نقطة جديرة بالانتباه، فعمل عظيم مثل هذا، يحرك الروح القدس له شخصاً واحداً، فليست المسألة كثرة الأشخاص، ولكن الشخص الذي يحركه الرب للعمل.

كما نلاحظ لم يطرح هذا العمل للمناقشة وإبداء الآراء وأخذ الأصوات، كما لو كان الأمر قضية لنتداول فيها الأمر شورى. فالمسألة لا تخص على الإطلاق رضى الناس أو حتى تشجيعهم المادي أو المعنوي لهذا الأمر. فما يخص مجد الله لا يجب أن نستشير فيه لحماً ودماً. وهنا يبارك الرب خطوات ذلك الخادم الذي يضع أمامه دائماً مجد الله- ولو غضب عليه الجميع.

ويبدو أن هذه هي الطريقة المتبعة من الرب في أيام الخراب، إذ يستخدم فرداً أو أفراداً للشهادة، بعد فشل الشهادة الجماعية، عندما تعظم سطوة الأفكار البشرية والفلسفات والحكمة الإنسانية، وتضعف معها تأثير قوة الوحي المكتوب في حياة المؤمنين. وبدلاً من أن يصبح اتجاه التفكير ماذا تقول كلمة الله؟ تتحول النغمة إلى: ما هو رأي الجماعة؟ وما هي الفائدة التي تحدث من وراء ذلك؟ وسنفقد الكثير إذا تكلمنا بالحق وسرنا فيه، إلخ...

أما يوشيا فقد تيقن في عقله، واستند بالإيمان على إله أبيه، ولم يفكر في العقبات والمقاومات التي تنتظره.. ألسنا في حاجة على هذا الصنف من الإيمان خصوصاً للذين يعملون عمل الرب؟!!

ولعل أرباب المشورة وذوي الألباب والحكماء اقترحوا على الملك يوشيا بأن يبقي بعض التماثيل والمسبوكات وخاصة لما لها من قيم فنية وجمالية. ولعلهم أشاروا بأن يتم التنبيه على الشعب بألا يقدم السجود لها ومنع الفرائض الطقسية المقدمة للآلهة ولكن يلزم الاحتفاظ بمثل هذا التراث الفني العالمي، وأننا لا يجب أن نظهر بصورة الغوغاء الذين يحطمون الأعمال الفنية لأنهم لا يتذوقونها، وإن تحطيم تلك المعابد هو من نوع ضيق الأفق والتخلف الحضاري وكبت للحرية الدينية..!!

أما يوشيا فكان أمامه اعتبار واحد، وهو الرجوع إلى كلمة الله والعودة إلى عبادة الرب وحده. هذه هي العين البسيطة، والتي لو وجدت بين المؤمنين لتمتعوا برضى الرب وتمجد الله في حياتنا.

2- تطهير بيت الرب:

لقد تحول بيت الرب الذي بناه سليمان- والذي تراءى له الرب فيه مرتين- إلى مكان للأرجاس، عندما نجسه ملوك يهوذا بإدخال السارية والأواني المصنوعة للبعل والسارية ولكل أجناد السماء. فأين كان الكهنة خدام المذبح ولماذا تغافلت فرق حراسة البيت من اللاويين عن مسئوليتها وتركت الأرجاس تتسلل إلى بيت الرب؟!!

ولكن يوشيا غار على بيت الرب أيضاً فبعد 18 سنة من ملكه (أي وعمره 26 عاماً)، أيقظ حلقيا (المدعو الكاهن العظيم!!) وكهنة الفرقة الثانية وحراس الباب كي يخرجوا متعلقات عبادة الأصنام من بيت الرب.

كما كان في ذلك البيت أيضاً بيوتاً للمأبونين لممارسة اللواط (الشذوذ الجنسي)، والذي كان يبدو انه من بين طقوس العبادات القديمة، كما كانت النساء هناك ينسجن بيوتاً للسارية!! (2مل23: 7). إيه يا للخزي!!

وكان هناك أيضاً في إحدى أروقة البيت اصطبل للخيول، وهي التي أهداها ملوك يهوذا الأشرار إلى الإله الشمس، كما كانت هناك مركبات للشمس (2مل23: 11)!! فأبادها يوشيا. والمذابح التي عملها منسى في أروقة بيت الرب، هدمها الملك وذرى غبارها في وادي قدرون (2مل23: 12). ورمم البيت (2أي34: 8-12).

ولا يكتفي يوشيا بذلك بالتطهيرات والترميم، بل انه "أقام الكهنة على حراساتهم وشددهم لخدمة بيت الرب"، ثم لللاويين "الذين كانوا يعلمون كل إسرائيل الذين كانوا مقدسين للرب" قال لهم "اجعلوا تابوت القدس في البيت الذي بناه سليمان أين داود ملك إسرائيل. ليس لكم أن تحملوا على الأكتاف. والآن اخدموا الرب ألهكم وشعبه" (2أي35: 2-3). ويبدو لنا أن التابوت لم يكن في الأقداس، وقد أعاده يوشيا إلى مكانه. وأعاد خدمة الكهنة واللاويين إلى وضعها بحسب الشريعة.

فما هو الدرس الأدبي الذي يريد الوحي أن يبرزه لنا: أن جماعة الله الحي (أي كنيسة الله) مقدسة ويجب أن تنفصل عن الشر العالمي، ومن المتعذر تماماً أن تشهد كنيسة الله للحق وهي مختلطة بمبادئ العالم ومصالحه، فدعوتها السماوية تحتم عليها الانفصال الكامل عن شروره ومبادئه وأساليبه. وهذا ينطبق على الجماعة والفرد أيضاً. كما يلومها أن تفحص تعليمها ليكون مطابقاً للوحي المكتوب وتنفصل بكل شجاعة عن التعليم غير الكتابي. هذا هو المعنى التطبيقي لتطهير بيت الرب من الأرجاس. وأما معنى ترميم البيت مما أصابه من تصدع وحدوث شروخ وتهدم في بعض الجدران، فنقول ما أكثر ما أصاب كنيسة الله. والنهضة التي يريدها الرب لا بد أن تشمل هذا المعنى، ترميم المتهدم والتحام الفوالق والشروخ. وهذا لا بد أن يحدث على أساس كتابي بالطبع، فتقارب الأعضاء والمحبة الأخوية المتبادلة يجب أن تقوم على مبادئ صريحة في الحق الكتابي. ونضع في الاعتبار أن كنيسة الله فيها الأقوياء وفيها الضعفاء من جهة الضمير، فلا يحتقر الأقوياء الضعفاء ولا يزدر الضعفاء بالأقوياء. (اقرأ رومية14). كما نرى فيها الأطفال والبالغين في الإدراك، وإن كنا نرى ظاهرة حولنا وهي توقف النمو في الكثيرين إلا أننا نعترف بأنها من الأمراض المتوطنة والمزمنة في كنيسة الله، ولكن شكراً لله لأن العلاج متوفر بالنعمة والحق (اقرأ كورنثوس الأولى). ولكن نضع في الاعتبار أيضاً أن كنيسة الله قد صارت بيتاً كبيراً فيه أواني للهوان (الخشب والخزف) وفيه أواني للكرامة (الفضة والذهب) (اقرأ تيموثاوس الثانية2). ولكن يلزم القول أن المصالحة الأخوية وترميم المنهدم لا تعني المصادقة على تعليم غير كتابي ولا تعني أيضاً قبول أشخاص غير مؤمنين.. فقبول الضعفاء والأطفال وتشديد العاثرين وإنهاض الفاشلين وعدم محاكمة بعضنا البعض.. كل هذه الأمور التي نجد أنفسنا جميعاً تحت التزام بقبولها والعمل بها بروح المسيح الوديع المتضع.

أما عودة الكهنة واللاويين إلى خدمتهم وحراساتهم وترنيماتهم، فذلك يعيد لأذهاننا الحق المختص بممارسة المواهب الروحية التي يمنحها الروح القدس حسبما يشاء للأعضاء. وكذلك الحق المختص بحرية العبادة والاجتماع إلى اسم الرب بقيادة الروح القدس، والحضّ على السجود للآب بالروح والحق..

3- اكتشاف كتاب الشريعة:

كافأ الرب يوشيا بأن كشف له ولشعبه كتاب الوحي، الذي كان مدفوناً في خرائب بيت الله. الذي لما سمع ما هو مكتوب فيه حزن وبكى أمام الله ومزق ثيابه- كان يوشيا ذا قلب حساس وخاضع للكلمة، وله ضمير يبحث عن إرادة الله، ليتنا نتحلى بالضمير الصالح الذي يسعى لرضى الله والأخوة، والقلب الحساس لطاعة كلمته..

وفي بيت الرب وقف يوشيا مع كل الشعب "وقرأ في آذانهم كل كلام سفر العهد الذي وجد في بيت الرب" "وقطع عهداً أمام الرب للذهاب وراء الرب ولحفظ وصاياه وشهاداته وفرائضه بكل قلبه وكل نفسه ليعمل كل كلام العهد المكتوب في هذا السفر".

أم اليوم فالكتاب المقدس بين أيدينا. والحاجة الماسة هي أن يفتح الرب أذهاننا لكي نفهم بقلوبنا ما هو مكتوب فيه. والواقع أن الكتاب مغلق تماماً على عموم المسيحيين، كما أن الجهل بحقائق الإنجيل تسيطر على غالبية الكنائسيين، ولا يعرفون من المبادئ سوى التوبة والرجوع على الله وأن الفرد تحت مسئولية السلوك المسيحي.. وإن كان هذا بالطبع ضرورياً إلا انه ناقص جداً ويحتاج على معرفة أساسيات الإنجيل..

4- عمل الفصح:

اهتم يوشيا بعمل الفصح للأمة كلها، ويقرر الكتاب بأنه "لم يعمل فصح مثله في إسرائيل من أيام صموئيل النبي" (2أي35: 18).

هذا الطقس الموسوي كان يميز شعب الله عن بقية الأمم الوثنية بأنهم مفديون، فلم تجز عليهم قبلاً دينونة الله، وهم معتبرون كابنه البكر.. فالفداء هو الأساس الذي يجعل الشعب في علاقة مع الله.

إن كان هذا من جهة الفداء في صورته الرمزية، فكم تصبح الحقيقة ذات قوة فعالة بعد موت ربنا يسوع المسيح وقيامته من الأموات. حتى أننا نقول "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس1: 7) "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من من سيرتكم الباطلة بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح (بطرس الأولى1: 18 و19).

وكم تصبح إقامة تذكار موت ربنا يسوع بتقديم الخبز والخمر ذات تأثير أدبي على المؤمنين، وكم يقود هذا التذكار عواطفهم نحو ذلك الشخص العجيب الذي كشف لنا محبة الله التي لا يحدها الإنسان، وأظهر لنا طاعته العجيبة التي قادته لموت الصليب، فتمتلئ قلوبنا تعبداً وسجوداً للآب بالروح القدس.

ثروت فؤاد


1- ذكر أحد الأنبياء نبوة عن يوشيا "هكذا قال الرب هوذا سيولد لبيت داود ابن اسمه يوشيا ويذبح عليك كهنة المرتفعات الذين يوقدون عليك وتحرق عليك عظام الناس" (ملوك أول13: 2).

  • عدد الزيارات: 5278