مقدمة
قوة وسلطان الوحي المقدس مصوران في حياة يوشيا وزمانه
هذا الكتاب يسلط الضوء على حقيقة هامة للغاية، فللوحي قوة وسلطان على النفس في حالة قبوله والخضوع له بكل القلب. ويصور يوشيا كمثال لذلك، فهو موضوع تحت تأثير كلمة الله بالرغم من فساد الحالة العامة من كل وجه، أما يوشيا فليس كبقية أقرانه وأسلافه يركض إلى فيض الخلاعة، ولكن تحفظه النعمة من هذا العالم الشرير- بقوة الكلمة، بل إنه يتحدى جو الفساد الذي يسود على الأمة المستهترة- التي تركت بعلها الحقيقي الله وزنت مع- (أو عبدت) آلهة الأمم الكاذبة. إنه يقاوم إبليس ويفضح الأعمال الشريرة التي تسلك فيها أمته. ويعيد بني إسرائيل إلى الشريعة وإلى الشهادة، وكأنه يعيد الأمة إلى الوحي المقدس أو يعيد الوحي إلى شعب الله. لقد كانت نهضة عظيمة قادها الروح القدس في مملكة يهوذا- وقت الخراب واقتراب وقوع الدينونة- مستخدماً إناء للكرامة مباركاً مقدساً وهو يوشيا، حتى قيل عن ذلك "وأزال يوشيا جميع الرجاسات من كل الأراضي التي لبني إسرائيل. وجعل جميع الموجودين في أورشليم يعبدون الرب إلههم، كل أيامه لم يحيدوا من وراء الرب إله آبائهم (أخبار الأيام الثاني34: 33).
فإن كانت كلمة الله لها القوة لهدم حصون الشيطان وظنون وكل ما ارتفع ضد معرفة الله، وإن كان لها السلطان لتحيي النفوس وتطهر القلوب وترجعها إلى عبادة الرب الصحيحة.. فلا عجب إذا إن كان الشيطان يجمع كل طاقاته وبذكائه وأساليب خداعه يضع خططه لكي يقاوم كلمة الله محاولاً إضعاف تأثيرها في النفوس.
فإن كان الشيطان قد نجح مع الإنسان الأول، عندما قال له "أحقاً قال الله؟" ولكنه رجع خائباً مهزوماً بعد أن طاش سهمه بعيداً مع الإنسان الثاني (المسيح) بسبب طاعته للآب وتمسكه بالمكتوب!! ويا للأسف فقد اجتذب الشيطان وراءه الكثيرين، الذين رفضوا محبة الحق، وقد وضعوا أنفسهم تحت الدينونة.. أين هم الآن؟! إنهم يتلظون في الهاوية السحيقة ولا يجدون من يبل لسانهم، معذبين في هذا اللهيب..!!
ولا يكف الشيطان في كل عصر أن يستخدم حماقة الإنسان في التطاول على الوحي. ولكن ظل الكتاب المقدس بعهديه القديم (39سفراً) والجديد (27سفراً) هو هو كلمة الله.. "وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد" (بطرس الأولى1: 25) بالرغم من ضراوة الحرب وسعيرها التي أثارها الكفرة الذين يرفضون الوحي ولا يزالون. وقد ظنوا أنهم بلغوا بذلك مقصدهم. ولكن ثبت لدى الجميع حماقة هؤلاء العلماء والفلاسفة واللاهوتيين. ولم يعلموا أنهم قد "ذخروا لأنفسهم غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رومية2). نصبوا أنفسهم نقاداً وحكاماً على كلمة الله، فما ثبت إلا جهلهم وتواروا في عالم النسيان. وبقي الكتاب المقدس كالطود الشامخ، لاطمته الأمواج والأعاصير فتحطمت عليه وما نالت منه شيئاً، بل ظل عالياً ومضيئاً لكل العالم.
إنه وحي الله المسجل كتابة بالروح القدس، والذي يوجه نداءه مباشرة إلى ضمير الإنسان وقلبه. ولا يمكن لإنسان ما – مهما كان- أن يتهرب من مسئولية الالتزام به والخضوع لما فيه. وهل يمكن لواحد أن يرفض الكتاب دون أن يوضع تحت الدينونة؟! وهل يمكن أن نقبل الكتاب دون أن نقبل موت المسيح الكفاري لنخلص به؟!! وهل نقبل المسيح باعتباره- بر الله المعلن لنا بالصليب والقيامة- ثم نظل تحت الدينونة؟!
إنه الكتاب الذي يحمل للعالم البعيد بشائر الخلاص، وتدعوه لقبول محبة الله في ابنه المحبوب يسوع المسيح.. وهو الكتاب الذي يعلن أفكار الله المتنوعة الذي هو الحق حتى يجد فيه المؤمنون باسمه طعامهم الشهي.
أخيراً نقدم للقارئ العزيز هذه التأملات الحلوة، كتبها أحد رجال الله الأتقياء وهو تشارلس ماكنتوش، وهو من الكتاب المقتدرين في توضيح وشرح حقائق كلمة الله، المتميز بأسلوبه الذي يجمع بين الجودة والبساطة مع التأثير الحقيقي الذي يتغلغل إلى قلب القارئ، فهو ينفذ إلى الضمير كاشفاً أعماق النفس في حضرة الرب. وينحو الكاتب هنا في تبيان هذا التأثير العميق- الذي أحدثته كلمة الله بقوتها وسلطانها- على شخصية يوشيا، وما ظهر منها في أعماله الإصلاحية والنهضوية في مملكة يهوذا.
نسأل الله- إله ربنا يسوع المسيح أن يبارك هذه السطور لمجده تعالى ومجد ربنا يسوع المسيح، ولفائدة القراء الأعزاء.
ثروت فؤاد
1 مارس 1983
- عدد الزيارات: 3230