الصعوبة العاشرة
أنا أعرف أن الأمر كله يتوقف على الإيمان وأنا أحاول أن أؤمن لكني لا أستطيع.
ودعونا نفحص هذا القول المتكرر عن قرب أكثر، والناس قلما يدركون ما ينطوي عليه من معنى إن الله قد أعلن عن نفسه بوضوح كامل في شخص ابنه المبارك الذي تصرف في هذا العالم في توافق كامل مع صفاته. وكونك تقول بهذا، فكأن الله، طبقاً لاستنتاجك، قد تنكر، لمتطلبات ثقتك في "أن تحاول أن تؤمن به ولا تستطيع".
وأكثر من ذلك. فإن الرب بعث برسالة خصوصية من السماء بالروح القدس- هذه الرسالة هي الإنجيل لكن هذا الإنجيل- البشارة الطيبة المفرحة التي أرسلها لا تستحق منك القبول. حتى رغم أنك طيب وكريم وأنت تحاول أن تؤمن بها لكنك في الحقيقة لا تستطيع. مكتوب "آمن إبراهيم بالله" (رو4: 3). ويا لها من عبارة بسيطة. وبعد ذلك في عدد 19 يخبرنا الكتاب أن إبراهيم لم يعتبر المظاهر الخارجية. لم ينظر إلى نفسه، بل كان أمامه شخص آخر. شخص موثوق فيه حتى أنه "آمن أنه قادر أن يفعل ما وعد به". ومن ثم نقرأ القول "إنه تقوى بالإيمان معطياً مجداً لله" (رو4: 20).
والآن لنفرض أنه كُتب "وحاول إبراهيم أن يؤمن بالله ولكنه لم يستطع". فيا له من فكر خطير عن الله الأبدي الذي لا يقدر أن يكذب.
فتفكر الآن في العبارة التي تقولها في ضوء هذا الفكر يا عزيزي القارئ وأخفض الوجه أمامه واعترف كم أهنت الله بعدم إيمانك.
وإلى جانب ذلك أليست عبارتك هذه تعلن على صورتها الخارجية حماقة تكمن فيها؟ تفكر في كيف تُظهرك كأنك تعمل جهدك أن تؤمن بشخص لا يُوثق به. وحتى لو كان الأمر يقتضي التضحية ببضعة جنيهات فأي واحد عنده مال، يعمل جهده لكي يثق بشخص مثل هذا؟
لكن لست أظن أن شخص الرب غير موثوق به، وإذن عبارتك هذه كم فيها من الظلم لك وله؟ لأنه من ذا الذي يتكلم عن اجتهاده لكي يثق في شخص يضع الكل فيه ثقتهم هل يجتهد طفل أن يضع ثقته في أمه؟.
يُخشى أنك تنظر إلى الإيمان، كأنه أمر ضخم يلزمك أن تنجزه حتى تحصل على خلاص نفسك. أليس الأمر كذلك؟.
لكن هذا الفكر مغلوط. ويجب علينا أن نميز بين الإيمان وبين نشاطات الإيمان. إن بنكاً يقدك لك ضمانات كافية وأنت تبرهن على إيمانك به بأن تودع فيه نقودك.
إن كنت غريباً في بلد ما، مع أصدقاء، يعرفون جيداً هذه المنطقة وكان هناك نهر مظلم وعميق يتعين عليك أن تعبره، ولم يكن هناك سوى لوح وحيد يربط بين ضفتيه وقال لك العارفون بهذا المعبر أنه متين ويتحمل ثقلك، ولأنك تثق في كلامهم تبادر وتضع قدميك على اللوح وتعبر فوقه. وإذا أخذت مكاناً في باخرة تعبر بك المحيط فإنك بذلك تُعبّر عن ثقتك بصلاحيتها للعبور. هذه الثقة قد تكون مزعزعة جداً أو قد تكون قوية. ولكن أنت كراكب فيها إنما تُعبّر عن ثقتك في الباخرة وتعترف عملياً إن لم يكن بالكلام بقدرة هذه الباخرة على أن تحملك بسلام عبر المحيط.
قد تسمع خبراً عن هذه السفينة. وثقتك في السفينة تتدعم بهذا الذي سمعته عنها، وبعد ذلك تفعل علناً ما يثبت عملياً أن ثقتك في محلها. وهكذا نقرأ المكتوب "لأن القلب يُؤمَن به للبر والفم يُعترف به للخلاص" (رو10: 10) مكتوب في الفقرة الأخيرة من الإصحاح العاشر من رومية أن:
الإيمان يكون بالسمع
والسمع يكون بكلمة الله
وكلمة الله تشهد عن مخلص
وهذا المخلص يستحق كل الثقة.
هذا هو الخبر عن المخلص وبدون أي اجتهاد، أنا أؤمن به. وإذا أنا أتيت إليه وقلت له أنا أؤمن بك... وعشت كما يقتضي فأنا بذلك أعترف بالفم وبالعيشة أين استقرت ثقتي.
انظروا إلى هذا الشخص في المكان الذي وضعه فيه الإيمان ثم نراكم بعد ذلك تقولون في قلوبكم أننا لا نستطيع أن نؤمن، فاسألوا أنفسكم إذن هذه الأسئلة:
أولاً: من هو هذا الذي لا أستطيع أن أؤمن به...؟
ثانياً: ماذا قال من كلام لا يستحق مني القبول...؟
ثالثاً: ماذا فعل وكيف تصرف، لكي يهدر ثقتي تماماً....؟
- عدد الزيارات: 2381