Skip to main content

الصعوبة الثامنة

ليتني أشعر بالسعادة، حتى أعرف وأتأكد أنني نلت غفران الخطايا، ربما لا توجد هناك صعوبة منتشرة بين عامة المؤمنين أكثر من هذه الصعوبة.

فعندما تسمع بعض النفوس المتحيرة الآخرين الذين يتكلمون عن فرح غامر ملأ نفوسهم عندما عرفوا غفران خطاياهم ربما يصيب البعض منهم مخاوف لأنهم لم يختبروا مثل ذلك الفرح، ويقولون لو كنا نختبر هذا الفرح السماوي لعرفنا وتأكدنا من غفران خطايانا.

تعالوا نرجع إلى صاحبنا المدين الذي تكلمنا عنه. هل يكون تعليله صحيحاً لو أنه قال لنا بسبب أنه ارتاح قلبه وشعر بالسعادة عرف أن دينه قد شُطب؟ أما يكون كلامه أصح وأكثر دقة إذا قال "إنني لأن ديني قد شُطب فرحت وشعرت بالسعادة؟" أليس من حقه أن يقول "إن شعوري بالسعادة مرة وعدم شعوري بها مرة أخرى لا يؤثر على حقيقة أن ديني قد شُطب؟ هل الفرح بالخلاص سبب أو هو نتيجة؟ ومع ذلك هناك كثيرون عندما لا يشعرون ببهجة الغفران يشكون في حصولهم على أي غفران بالمرة. ومعنى هذا أنهم يخلطون بين السبب والنتيجة. وللأسف هم يبدأون من حيث ينبغي أن ينتهوا. وعلينا أن نبدأ الأمر مع الله بدلاً من أنفسنا، فاسترضاء الدائن وكفايته يجب أن نضمنه قبل راحة المدين. إن المحبة الإلهية من نحوهم هي التي من وراء عمل الصليب. إن الرغبة في غفران خطايانا لم تنبع من قلوبنا بل نبعت من قلبه الكبير المحب. هل كان عمل الصليب هو الذي قرَّب قلب الله إلينا؟ لقد كان الصليب هو التعبير الرائع البالغ الكمال عما في قلب الله من محبة لنا. لقد ذاق المسيح "بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عب2: 9). "والآب أرسل ابنه" لأنه عرف من الأزل أن القيمة الغير محدودة لدم يسوع المسيح ابنه هي وحدها التي تكفر عن الخطية. "لأن الدم يكفر عن النفس". وعن هذا الدم قال الله قديماً "أنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم" (لا17: 11) وفي ملء الزمان سُفك هذا الدم وبحسب إعلان الروح القدس، هذا الدم "يطهر من كل خطية". "فليكن معلوماً أيها الرجال الإخوة أنه بهذا يُنادى لكم بغفران الخطايا" (أع13: 38).

كم تتعزى قلوبنا بمعرفة أنه من امتيازنا أن نستريح على أفكار الله وليس على أفكارنا. فإن كان الله يقول لنا أنه هو- الذي وحده يعرف حالتنا الميؤوس منها- قد أنهى موضوع خطاياي بطريقته الخاصة وذلك بدم المسيح فمن واجبي أن أنحني أمامه شاكراً نعمته ومصدقاً كلامه.

إن كان الله يقرر ماذا يمكن للدم أن يفعله فلا مجال للمناقشة وعليَّ أن أقبل كلامه بكل تقدير وبكل شكر. وإن كان الله يقول رأيه في جميع الذين يؤمنون بهذا الدم. فعليّ أن أحترم وأثق في هذا الرأي، إني أقبل الكلام وأحترم الرأي وأثق به، لأنه كلام الله وفكر الله وليس لأني استرحت عليه بمشاعري.

وخلاصة القول أني أصدق وأؤمن بأن لله فكره من جهة:

(1) حاجتي وحالتي التي أنا فيها.

(2) دم يسوع المسيح ابنه الذي هو العلاج المناسب لحالتي وحاجتي.

(3) الذين يؤمنون بشهادته عن هذا الدم.

وإنك لا تستطيع أن تؤمن بحاجتك وحالتك وبفاعلية الدم إلا إذا صدقت شهادة الله عن هذا العلاج الحاسم والكافئ. يقول الله "كل من يؤمن يتبرر". "يتبرر" وليس "سوف يتبرر". لا تُحسب عليه خطاياه وشروره التي يعرفها عنه الله. والسبب هو أنها حُسبت على ذلك الذي مات من أجل الخطايا وقام ثانية. هنا لا يتكلم الله عن شعوره بغفران الخطايا أو عن إحساس بأنها لا تحسب. كيف أشعر براحة من جهة خطاياي إن لم أعرف أنها غفرت؟ وكيف أعرف أنها غفرت إلا بكلمة يقولها الله؟

وعلى أساس نفس هذه الكلمة، من امتياز المؤمن أن يخطو خطوة أخرى لبركة نفسه. نفس هذه الكلمة تقول "الذين بررهم فهؤلاء مجدَّهم أيضاً" (رو8: 3). فإذا كان تصديق الله يجعلني متأكداً من تبريري فإن التبرير يجعل المجد من نصيبي الأكيد الأبدي. والتبرير والتمجيد أكيدان على أساس سلطان كلام الله نفسه.

مرة شاهد كاتب هذه السطور لافتة من الصفيح ملقاة على رصيف محطة السكة الحديد، وتبين أن مكانها على الحائط الذي كانت معلقة عليه قد تساقط منه البياض المكلس. وأدرك أنه لو ثبتت اللافتة بمسامير أقوى إلى جسم الحائط نفسه لبقيت في مكانها. لكن لأنها كانت معلقة على المكلس فقط، ولأن هذا المكلس لم يقاوم فعل الأمطار والرياح، سقط وسقطت معه اللافتة. وهذه ملحوظة نسوقها إليك أيها القارئ، لكي لا يتعلق خلاصك على شعورك وفرحك الذي تختبره اليوم، حتى إذا تبدد هذا الشعور في اليوم التالي تبدد معه خلاصك، بل أن يرتكز خلاصك على كلمة الله الراسخة فلا يمكن أن يتزعزع. "إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السموات" (مز119: 89). "وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد" (اش40: 8).

يقول داود "لصَقتُ بشهاداتك" (مز119: 30). وإذا أنت فعلت هكذا يثبت إيمانك ولن تخزى، لا في هذا الزمان الحاضر ولا في المستقبل.

  • عدد الزيارات: 2370