Skip to main content

الصعوبة الأولى

"كيف أنجو من عقوبة خطاياي إذا كان الله باراً وأنا خاطئاً؟"

هذا سؤال قديم كقدم سفر أيوب "كيف يتبرر الإنسان عند الله؟" (أي25: 4) هو سؤال يمس كل أساسات السلام القلبي وراحة الضمير. فإن الله لا يمكن أن يتنكر لقداسته أو لصفة عدالته. إن الخطية بدخولها بواسطة الإنسان جعلت الله يأخذ مركز القاضي الديان، كما أن الله عادل هكذا يتحتم أن تأخذ الخطية عقوبتها الكاملة. والناس يرون بحسب عواطفهم محبة الله وينسون أنه عادل، أما الله فإنه حين يفتح باب السماء أما إنسان خاطئ على أساس عمل المسيح، يكون باراً وعادلاً تماماً كما يكون باراً وعادلاً حين يرسل الخاطئ إلى أعماق الجحيم على أساس أعماله. ولما رفع الله الإنسان يسوع المسيح وأجلسه عن يمينه في المجد فقد أعلن الله بذلك العمل بره (أي عدالته). وعندما يرسل الشيطان حياً مقيداً إلى مصيره الأبدي في بحيرة النار فهذا سيكون وفقاً لبره وعدالته عينها، صحيح أنه يتعذر على البعض أن يدركوا جيداً أنه إذا أعطى الله خلاصاً لخاطئ يكون في ذلك باراً تماماً كما يجلس المسيح في بهاء المجد السماوي أو عندما يطرح الشيطان إلى ظلمة الدينونة الأبدية.

والله الآب نفسه استلفت أنظار السماء والأرض أكثر من مرة إلى حقيقة أنه بهذا المبارك المتواضع قد سُرَّ وقد شبعت نفسه، فهل هو مزمع أن يفتح السماء مرة أخرى ليقول لنا لماذا "ترك" هذا القدوس؟ كلا لقد ترك ذلك المتألم، حامل الخطايا، في ثلاث ساعات مظلمة ليقاسي وحده مرارة الترك في أشد صورها، لكن أنصتوا إلى كلماته الخارجة من أعماق الظلمة الدامسة والتي تمزق القلوب "إلهي... أدعو فلا تستجيب". فهل كفّ الله عن أن يجيب على سؤاله؟ تبارك الله. هناك جواب وإلا فوداعاً لكل رجاء عند أمثالي وأمثالك.

لقد وجد الإيمان الجواب. ومن أين كان الجواب؟ إن كانت الشياطين والملائكة والناس قد عجزوا جميعاً عن إعطاء الجواب. وإن كان الله لم يستجب فمن أين الخلاص؟ لقد جاء الخلاص من شفتي المتروك نفسه. إنه برر الله في تركه. وما أعظم هذا وما أغلاه... فحدثني وأعد عليّ الحديث ... لقد برر الله في تركه إياه، وأسمعه حين يقول في (مز22: 3) "وأنت القدوس"- أنت القدوس حتى أنك لا ترضى بأقل من أن تدير وجهك عن الخطية حتى ولو كان ابن المحبة هو الذي يحملها. "أنت القدوس" تحجب وجهك فلا خلاص ولا مناص إذا كان لابد أن تدان الخطية. ولا جواب على صراخ حتى تفرغ كأس الدينونة إلى آخرها.

ما أرهبه أمراً ولكن ما أعذبه وما أحلاه. يجذب قلب الخاطئ ويهدئ ضميره المتعب ويملأه سلاماً فيفيض شكراً وتسبيحاً. وأي دليل أقوى وأعظم من هذا على أن كل خطايا المؤمنين بيسوع المسيح قد سويت بالعدل ودينت دون محاباة في شخص بديلهم المعبود؟ والآن يمكن لله أن "يكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رو3: 26). هل يتبررون لأن شيئاً من الخطايا لا ينسب إليهم؟ كلا. بل هم يتبررون بالدم الكريم الذي واجه مرة واحدة كل اتهام يمكن لله أن يوجهه إليهم.

وهكذا ترون أن خطايا المؤمن لم تفلت من الدينونة. والإنجيل لا يُخبرنا عن إله تتغاضى محبته عن الخطايا، بل عن إله يحب الخطاة ومحبته لهم ظهرت في مواجهة مطاليب عدله ضد خطاياهم واحتمال العقوبة بكل هديرها وعجيجها.

  • عدد الزيارات: 3367