قلق النفس
في العالم كله لا يوجد تعب أو قلق يعادل قلق النفس وعذابات ضمير يشعر بالذنب من يحتملها؟ "وأما الروح المكسورة فمن يحملها (أو يتحملها)؟" (أم18: 14).
وأي كرب لنفس هالكة سائرة نحو الأبدية! فإذا استيقظت تلك النفس في هذا الزمان على حالتها فأي مرارة اكتشاف لهذه الحقيقة على الرغم أن الهوة الرهيبة لم تثبت نهائياً والمصير الأبدي لم يتقرر فعلاً ولم يختم بعد.
هب أن إنساناً تيقظ ضميره إلى هذه الحقيقة وهي أن نهاية حياة الشر هي جهنم، وأن هذه الحياة هي حياته التي يبعثرها بإسراف. وهب أن روح الله أيقظ ذهنه ليشعر بأن الدقة التالية من دقات قلبه، وأن النبضة التالية من نبضات عروقه هي الدقة الأخيرة والنبضة الأخيرة، وأن الله، الذي إليه أخطأ كثيراً بإرادة معاندة، هو الذي يمسك بأنفاسه في قبضته القوية- هب أن هذا حدث، فهل نعجب إذا ارتمى هذا الشخص على فراشه، بدون عشاء، يترقب هزع الليل ساهراً خائفاً يتقلب مرتعشاً ويئن باكياً ويسترحم الله بكل الدموع؟.
إن الدينونة الأبدية أو الخلاص الأبدي للنفس ليسا من الأمور الهنية وكيف يستريح هذا الشخص قبل أن يُسوّى مشكلة مصيره الأبدي؟ إنه بكل معاني العدالة يستحق اللعنة ولكنه بكل معاني الاسترحام يرجو الخلاص. إنه يرجو ما ليس له حق فيه ومع ذلك يظل يرجوه. يقف أمامه "الحق" بنوره الكشاف ليريه مصيره المحتوم كما يريه ماضيه، الذي لا سبيل لإنكاره، مصيره وماضيه يظهران واضحين كاملين مكشوفين. كما تقف "النعمة" شاهدة له بأنه رغم كل الشر الذي عاشه، وعلى حساب استحقاقات شخص آخر- الرب يسوع المسيح- يمكن أن تكون البركة الأبدية من نصيبه.
يا لهول المعركة التي في داخله وما أرهبها ولن تهدأ حتى ينال الغفران والسلام وحتى تتحقق النفس نصيبها الأبدي بكل يقين بعيداً عن كل شك.
هناك أيضاً عامل هام جداً في هذه المعركة الرهيبة القاسية، هناك الشيطان بهمساته بخداعه بأكاذيبه بهجماته وبكل حيله يتحرك ويحرك أشياء كثيرة. كان ساكتاً لأنه كان قادراً أن يحفظ غنائمه في حوزته، لكنه الآن يستخدم كل سهامه وأسلحته لكي يفسد، إن أمكن مقاصد النعمة، وإلا ضاع منه هذا العبد الذي طالما أطاعه، وصار شاهداً لقيمة دم الفادي الذي يطهر من كل خطية، ولقوته المُخلّصة إلى التمام.
مرة يهمس هذا العدو: "إنك لا يمكن أن تهلك لأن فيك من الصلاح ما لا يمكن معه أن تهلك". ثم مرة أخرى يهاجم بالقول "لو خلص العالم كله لما خلصت أنت بسبب كثرة معاصيك، الأفضل لك أن تنتظر حتى تبيّض صفحتك" ولقد صدق من قال "إن ساعة الشيطان بصفة دائمة إما تتقدم مسرعة أو تتأخر متباطئة" إنه في خداعه الخطير يقول "أمامك وقت طويل لتفكر في أمور آخرتك أو يقول "الله حريص جداً فلا يبعثر رحمته حتى تصل إلى خاطئ مثلك. كفى لقد فاتك القطار".
- عدد الزيارات: 4020