مقدمة الناشر
إن النفس الحائرة التي تعصف بها الشكوك وتتقاذفها أمواج التعاليم المتصارعة وتقلبات المزاج العنيفة. لهي بحق تستحق الرثاء والمعونة.
فالمشاكل الروحية كثيرة ومتنوعة، وبقدر تباين المستويات في الإدراك والاختبار الروحي بين المؤمنين هكذا تتنوع المشاكل والتحديات، فلكل فئة حروبها وصراعاتها الخاصة بها، سواء اصطرعت الحرب من داخل الفرد أم من الآخرين المحيطين به في البيت أو العمل أو الأصدقاء أو جماعة الإخوة المرتبطة بهم.
ونجد في الكتاب المقدس أمثلة لنوعيات مختلفة من المشاكل التي ألقت بكاهلها على المؤمنين سواء كانوا أفراداً أم كنائس محلية. كما نرى العلاج الإلهي الكامل لكل مشكلة اعترضتهم. وهكذا نتعلم نحن أيضاً أسلوب العلاج الصحيح.
وهذا الكتاب يتناول بصفة خاصة فئة المبتدئين المتجددين حديثاً والحيرة التي تعصف بنفوسهم القلقة إزاء التساؤلات التي تطرحها نفوسهم. وما يجدوه من مسافة شاسعة بين ما يصدقه الإيمان بكل امتيازاته وما يجعلنا نتمسك به باعتباره وعد الله وإعلانه الكامل، وبين اكتشاف رداءة النفس وأخطائها وفسادها- لا شك أنها هوة رهيبة بين نعمة الله في غناها ومجدها وبين ضعف الإختبار الروحي وهزاله- حقاً فالتباعد كبير بين الإيمان والواقع الذي يتولد عنه هذا الصراع عند المبتدئين خاصة. أنصدق الإيمان أم ننحاز للواقع! ولا يحسم هذا الخلاف الشديد سوى الرجوع إلى كلمة الله والتمسك بما هو مكتوب فيها.
وعند نقطة الصراع هذه نجد مساحة كبيرة من شعب الله يتوقفون هناك، ويتقهقرون، ويتأرجحون نكوصاً وإقداماً.
وهناك عوامل كثيرة تُبقي هذا الصراع ولا تحسمه في اتجاهه الصحيح، منها الجهل بالتعليم الكتابي الصحيح، وعدم تسليم النفس تماماً لله مما يظهر في عدم خضوعها وتقبلها لكل ما يجري معها، وربما يكون أيضاً التكوين النفسي والعصبي للشخصية الذي قد يميل أحياناً إلى العُصاب النفسي والحالة اللاسوية.
وعند النقطة الأخيرة نقول إن الشباب الصغير يصبح من ألزم المحتاجين إلى يد العون والتسنيد، خاصة في أوقاتنا هذه التي تزداد فيها الصعوبات من كل وجه، وتقسو الحياة ثقيلة على نفوسهم. وعلى الذين يحملون مسئوليات النفوس أن يتصفوا باللطف والحزم والحكمة والفهم الواعي لكل حالة على حدة.
ونحن لا نقول أن كل الصراعات لها أسباب روحية إيمانية مباشرة، بل منها ما يتسبب عن عوامل اجتماعية وبيئية، أو عن عوامل مرضية جسمانية أو نفسية، ومنها ما يرتبط بالمراحل النفسية المختلفة للنمو وغيرها من أسباب لها اعتبارات صحيحة في هذا الأمر.
غير أن سطور الكتاب هنا تتجه إلى النفوس المولودة من الله والتي لم تستقر بعد في علاقتها مع الله. فنراهم مثلاً يطلبون غفران الخطايا على مدى العمر بصورة مؤرقة لنفوسهم. إنهم قلقون تجاه مستقبلهم الأبدي ويخشون الموت لئلا يواجهون الله بحالة ضميرهم المعذبة. ولا شك فإن تلك النفوس تكشف عن طبيعة روحية مرهفة الحساسية تجاه قداسة الله، أمام واقع متعثر، وأخطاء واضحة، وحالة لا تتفق مع نور الله الكامل. ولكن من جهة أخرى نقول إن هذه النفوس معذبة وبائسة ويا لها من حالة تعيسة! فمن يمسك بأيدي هؤلاء لينقلهم إلى معرفة الإنجيل الصحيحة، وفي المسيح- الذي مات وقام بالمجد- يرون أنه الفادي الذي حمل مذنوبيتهم ومديونيتهم على الصليب، فيتدحرج عنهم عارهم إلى الأبد، فتنطلق ألسنتهم بالترنم والفرح بالخلاص، وينتقلون إلى دائرة التمتع كأولاد الله.
ونحن نرى أن السبب الغالب لتأخر هذه النفوس المولودة في نوال اختبارات الخلاص والعتق هو نقص التعليم الكتابي الصحيح، وحجب نور الإنجيل عن هذه النفوس، ربما تحت غطاء المعتقدات المذهبية والطائفية، وربما لنقص أو ضعف الاختبار المسيحي وهزاله عند الذين يتولون رعاية النفوس. فكم من مسؤولين في طوائف وجمعيات مسيحية لم تزل علاقتهم مع الله غير مستقرة ويرزحون في دائرة من الشك والقلق في إيمانهم! ترى هل لمثل هؤلاء قدرة على خدمة قطيع الله ورعايته ليقدموا له كلمة الله كلبن عقلي عديم الغش؟.
إن بلوغ النفس إلى حالة الاستقرار والنضج الروحي هو أهم اختبار روحي يحتاجه المبتدئون. فمن دائرة المخلص ويقين الخلاص تبدأ النفس شركتها مع الله في النور الكامل، وتثمر بالروح لمجد الله، وبذلك تصبح نافعة لخدمة الآخرين بحسب ما نالت من موهبة.
ولقد جمع الكاتب من خلال جولاته التبشيرية هذه الأسئلة التي كانت تتردد على السنة المتجددين محاولاً أن يجيب عنها كما جاء في الكتاب ليشجع نفوسهم في طريق الإيمان ومثبتاً إياهم في الحق.
ولا تزال تلك الأسئلة هي بعينها ما تتردد على ألسنة الكثيرين الآن. وما نبتغيه أن تستفيد تلك النفوس الحائرة والمتزعزعة من نور هذه الكلمات التي تحمل الحق الراسخ فتتمتع به وتدخل إلى الشركة مع الله بربنا يسوع المسيح.
ثروت فؤاد
فبراير 1989
- عدد الزيارات: 2953