نقطة التحول
كانت نقطة التحول في تاريخ يوناثان في (1 صموئيل 18)، وهذه تشرح لنا أيضاً نقطة التحول عند كل نفس وُلدت من فوق.
صحيح أننا نجده قبل هذه الحادثة كأحد الأبطال في بيت شاول "وضرب يوناثان نصب الفلسطينيين في جبع"، ثم ضرب شاول بالبوق في جميع الأرض قائلاً "ليسمع العبرانيون!" (1صم 13: 3). ثم نجده رجلاً جباراً في مخماس. وبعد هذه الحوادث بحوالي عشرة قرون استطاع واحد أن يقول: "كنت عائشاً قبلاً بدون الناموس". "إن ظن واحد آخر أن يتكل على الجسد فأنا بالأولى... عبراني من العبرانيين".
ونقطة التحول في حياة يوناثان كانت تشبه إلى حد بعيد رمزياً نقطة التحول في حياة بولس في طريقه إلى دمشق.
ويبدأ الموضوع، ويا له من درس لنا! فقد اجتمع إسرائيل ونزلوا في وادي البطم، وعلى الجانب الآخر وقف "المقاوم" لبيت شاول، و"المتحدي" الذي يُعيّر جيوش إسرائيل. ولم يكن هناك مُخلصاً في بيت شاول فأرسل الله الملك المخلّص في ذلك اليوم. الراعي المحتقر. الغلام. آه فإن ذلك المحتقر هو الممسوح من الله ملك إسرائيل. وقُتل العدو الجبار في ذلك اليوم من أصغر أولاد يسى. "وقال له شاول ابن من أنت يا غلام؟ فقال داود ابن عبدك يسى البيتلحمي". "وكان لما فرغ من الكلام مع شاول أن نفس يوناثان تعلّقت بنفس داود وأحبه يوناثان كنفسه" (ص18: 1).
آه لقد تطلع يوناثان عبر وادي البطم، ونظر ذلك الخصم المخيف جلبات الجتي، الذي كان طوله ستة أذرع وشبر وكان مخيفاً للغاية، ليس لمجرد يوم واحد أو اثنين بل لمدة أربعين يوماً، مستعرضاً نفسه ومعه كل جيش الفلسطينيين. وكم كان الله في إحسانه عظيماً إذ أرسل إلى المحلة هذا المُخلّص داود، الملك غير معروف! إذ وقف هناك بعد أن أكمل العمل الذي كلّفه الله به. لقد كان الانتصار تاماً إذ مات البطل، وهرب الفلسطينيون. وعندما نتطلع إلى داود هنا ألسنا نرى فيه عظمة ابن داود الذي حقق الانتصار الأعظم.
وكما تطلع يوناثان عبر وادي البطم هكذا تُستحضر النفس أحياناً للتطلع عبر وادي الموت. وكم يستولي الرعب علينا بشدة إذا كان المقاوم والمُعيِّر هناك يختال زهواً في رعبه، وكل خطايانا الماضية تبرز خصماً. وهكذا تقف في صف مرعب مثل جيوش الفلسطينيين! دعني أسألك لتتطلع عبر الوادي الضيق والعميق وتخبرني هل استُعلن المخلص يسوع لنفسك مثلما استُعلن داود ليوناثان؟ إن الواحد بالتأكيد هو صورة فقط للآخر. ولكن هناك حقيقة مؤكدة ليوناثان فقد اجتُذب قلبه لداود. هذه المسألة خطيرة للغاية فالوادي الذي يفصلنا عن الأبدية ضيق جداً- كلا بل ربما مجرد نَفَس (شهيق) وبعد ذلك الموت، فهل يأتي بك الموت إلى الدينونة؟ وإن كان كذلك فسيصبح هذا سبباً أخطر من الوضع الذي كان عليه إسرائيل في ذلك الوقت. ربما تكون بطلاً ومن أمراء المملكة مثلما كان يوناثان في زمانه، ولعلّ بوق شاول قد أشاد في مدحك، ولكن هل أعلن لك الله عن يسوع لنفسك- ذاك المُرسل من الله- المُحتقر والمرفوض من الناس؟ هل رأيته؟ إذن فأخبرني عن هذه الجروح التي في يديه وفي جنبه؟ إنها تتكلم بحلاوة قائلة "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته". ليتك تتطلع إلى ذلك المنتصر الجبار والمُرسل من الله "هوذا حمل الله". آه فكم يصبح التأثير العجيب للإيمان البسيط بيسوع الذي أكمل عمل الفداء! أربعون يوماً من التعييرات التي أطلقها جليات على إسرائيل ولكن أربعين قرناً من الزمان لا يكف إبليس عن تعيير الإنسان وإهانة الله. ومَن غير البديل القدوس الذي استطاع أن يواجه المقاوم ويؤكد على مجد الله؟ نعم وكما ضرب داود جليات في وادي البطم كذلك التقى يسوع بقوة الشيطان في وادي الموت. يا نفسي تأملي في هذا الأمر. فكل خطية يستحضرها المشتكي ليعيرني بها قد حملها يسوع عني.
هذا الإعلان الأول يستحضر أمامنا شيئين في يوناثان من جهة علاقته بداود. إنه أحبه كنفسه ثم تجرد من نفسه. وبالتأكيد فإن هذا أمر طبيعي وبسيط. كيف كان ينظر إلى وجه ذلك الراعي الشاب الذي وضع حياته في يده وبمقلاعه وحجره صنع خلاصاً عظيماً هذا مقداره! أتستطيع أن تتطلع إلى يسوع الذي أعطى حياته الغالية، والذي احتمل الغضب بسبب خطاياك، والذي أراك يديه وجنبه، وبكلماته الحلوة قال "سلام لكم" فعندئذ تعرف. أيمكنك ألا تحبه لأنه أحبك أولاً؟
- عدد الزيارات: 3290