ثانياً: جنة مُروية
فالقلب الذي انفصل للرب يتفجر فيه ينبوع من الانتعاش والفرح. إنها جنة ذات عين مقفلة وينبوع مختوم. فالعين هي مورد لا ينقطع، والينبوع يتصل بالمصدر. قال النبي عن الذي يسلك بحسب فكر الرب أن نفسه "تصير كجنة رياً وكنبع مياه لا تنقطع مياهه" (أشعياء 58: 11). قال الرب للمرأة السامرية أنه يعطي "ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية"، وهذا الينبوع يكون في المؤمن. فإذا كان العالم يستمد سروره من الظروف المحيطة به، لكن المؤمن تنبع أفراحه من الداخل وحياته الخفية تستمد نشاطها بقوة الروح القدس.
فمن جهة أن الحياة في المؤمن مثل عين متدفقة، فهذا نراه في الروح القدس الذي يسدد كل أعوازنا الروحية فيقودنا ويرشدنا نحو "جميع الحق". أما من جهة أن الحياة مثل ينبوع- فإننا نراه أيضاً في الروح القدس الذي يربط قلوبنا بالمسيح الذي في الأعالي. وهكذا قال الرب "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق هو يشهد لي"- فهو يشهد عن المسيح في مكانه الجديد في المجد. لهذا فهو كعين إذ ينعش نفوسنا بالحق، وكينبوع يتصل بالمصدر إذ يربط قلوبنا بالمسيح.
ولنتذكر أن العين وهي مصدر للبركات "عين مقفلة"، والينبوع هو "ينبوع مختوم". ألا يعيد هذا إلى ذاكرتنا أن مصدر البركات في المؤمن يكون مختوماً بالنسبة لهذا العالم، ومنفصل تماماً عن الجسد؟ فالرب يتحدث عن المُعزي كالشخص الذي "لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يوحنا14: 17) ونقرأ أيضاً أن "الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غلاطية5: 17).
يا للأسف، فطالما نضع في الاعتبار أمور الجسد، ونميل إلى العالم، فليس غير إحزان الروح القدس، وهذا يعوق قلوبنا أن تكون جنة مروية فتصبح جافة وعقيمة.
- عدد الزيارات: 3179