Skip to main content

مقدمة

"أختر العروس، جَنّة مُغلقة،

عين مقفلة، ينبوع مختوم.

أغراسُكِ، فردوسُ رُمان،

مع أثمارٍ نفيسةٍ،

فاغية (الحنة) وناردين،

ناردين وكُركم،

قَصب الذريرة وقرفة،

مع كُل عود اللّبان.

مُر وعود مع كل أنفس الأطياب.

ينبوعُ جنات،

بئر مياه حية،

وسيول من لُبنان،

استيقظي يا ريحَ الشمال،

وتعالي يا ريحَ الجنوب.

هبي على جنتي فتَّقطُرَ أطيابها

ليأتِ حبيبي إلى جنّتهِ

ويأكل ثمره النفيس.

قد دخلتُ جنتي، يا أختي العروس،

قطفتُ مرّي مع طيبي،

أكلتُ شهدي مع عسلي،

شربتُ خمري مع لبني.

كُلوا أيها الأصحابُ،

اشربوا واسكروا،

أيها الأحباء!"

نشيد الأنشاد 4: 12-5: 1

في هذه الكلمات التي اقتبسناها من نشيد الإنشاد، يصف العريس عروسه بأنها جنة مسرات. ولعلّ كل المؤمنين (ذوي القلوب العطشانة لفهم المكتوب)، تتفق معنا بأن "العريس" أو "المحبوب"، في سفر نشيد الإنشاد، هو صورة جميلة للمسيح. والكثيرون أيضاً يتفقون معنا بأن "العروس" في هذا السفر تشير إلى شعب الله الأرضي. ومع أن المعنى المحدد للعروس هنا هم الشعب الأرضي (أي إسرائيل)، إلا أننا نستطيع أن نطبق المعنى أيضاُ على الكنيسة، العروس السماوية للمسيح.

إنه شيء مبارك، أن نرى في هذه الجنة، تلك الأوصاف والإمتيازات الفائقة الجمال التي وجدها المسيح في عروسه الكاملة. ومن زاوية أخرى نرى محبة المسيح التي تتوقع بصبر أن يرى في قديسيه عملياً جميع هذه الصفات.

فلنتأمل قليلاً في هذه الجنة، ونبعها، وثمرها، وأطيابها، ومياهها الحية، كما يصفها الرب. إنه يصف قلوبنا بالصورة التي تتوافق وتحلو لنفسه.

ونلاحظ أولاً أن العريس يتحدث دائماً عن الجنة باعتبارها جنته فيقول "جنتي" (My garden) بينما تُسَّر العروس بأن ترى الجنة وهي ملكة فتقول "جنته" his garden. كما يقول "استيقظي يا ريح الشمال.. هبي على جنتي". وتجيب العروس "ليأتِ حبيبي إلى جنته". وهنا نجد المعنى واضحاً- فالرب يطالب بأن تكون قلوبنا له. "يا ابني أعطني قلبك" (أمثال23: 26). وتحرض الرسول "قدّسوا الرب الإله في قلوبكم"(1بطرس3: 15). ومرة أخرى نرى رسول آخر يصلي لكي "يحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أفسس3: 17).

إن الرب لا يطلب منا أن نعطيه من وقتنا أو مواردنا أو عقولنا أو خدماتنا النشيطة فليس هذا ما يطلبه الرب أولاً، فقبل كل شيء يطلب عواطف قلوبنا. فربما نعطي كل أموالنا للفقراء، أو أجسادنا حتى تحترق ولكن بدون محبة فلسنا ننتفع شيئاً. فلا يزال الرب يقول لنا "أعطني قلبك".

"لقد تركت محنتك الأولى".

كانت هذه الكلمات جادة وخطيرة، فمهما كانت الامتيازات التي وُصف بها المؤمنون، إلا أن قلوبهم لم تَعُد جنة الرب. كما قال واحد: (قد تقوم زوجة بكل مطالب بيتها، وتتم كل واجباتها، ولا تترك شيئاً ليس بمحله، حتى أن زوجها لا يجد خطأ أو شيئاً مهملاً إزاء عملها. ولكن إذا كانت محبتها له تتناقص فهل يمكن لخدمتها هذه أن تُشبِعه وتُرضيه، وتكون محبته لها كما كانت في الأول؟ هذا فضلاً عن أن الرب يطالب بالعواطف غير المنقسمة لقلوبنا. فالجنة هي جنته. فإذا كان الرب يطالب بأن تكون قلوبنا جنة لمسرته، فإنه علينا، أكثر من هذا، أن نجعل مواصفات هذه الجنة موافقة لفكره.

وكما قرأنا هذا الوصف الجميل لجنة الرب، فإننا نلاحظ خمسة ملامح تصويرية يريدها الرب لقلوبنا أن تتحلى بها لنفسه:

أولاً: جنة الرب جنة مغلقة.

ثانياً: جنة مُروِية، ذات عين مقفلة وينبوع مختوم.

ثالثاً: جنة مثمرة- فردوس رمان مع أثمار نفيسة.

رابعاً: جنة عطرة مع كل أشجار اللبان وكل أنفس الأطياب.

خامساً: جنة منعشة من المياه الحية المنسابة وشذى أطيابها التي تُحمل إلى العالم المحيط بها.

  • عدد الزيارات: 2786