الظروف التي يواجهها المؤمن
ويلمس المرنّم سبعة ظروف متنوعة دُعينا لكي نواجهها:
1- احتياجاتنا اليومية
2- احتياجاتنا الروحية
3- فشلنا وضحالة نفوسنا
4- ظل الموت
5- مواجهة الأعداء
6- الدائرة اليومية
7- مشهد الأبدية
هذه الأشياء جميعها، وبطرق مختلفة، وفي أوقات مختلفة، تعترض طريقنا، وإذا تُركنا لقوتنا لنواجهها جميعاً، فإننا بالتأكيد سنُغرِق أنفسنا في رُعب وكارثة محتومة. ومع ذلك فإن الرب كراعينا الذي يقودنا في الطريق، به يمكننا أن نسلك بإيمان رحلة البرية التي تأتي بنا إلى المجد بالرغم من الصعوبات التي تواجهنا في الطريق.
وكما أن كل بركة في المزمور تنبع من الجملة الأولى "الرب راعيّ"، فإننا نُقدّم كل عدد بهذه الكلمات "الرب راعيّ".
أولا (ع1) احتياجات الجسد اليومية.
فكيف نواجهها؟.
إن المرنم لا يقول "أنا في منصب حسن فلا يعوزني شيء" أو "لديّ أصدقاء محبون يعتنون بي فلا يعوزني شيء"، أو "أملك وسائل عديدة فلا يعوزني شيء" أو "أحتفظ بشبابي وبصحتي وبإمكانياتي فلا يعوزني شيء".
فقد توجد هذه جميعها وأكثر منها، ولكن الرب يواجه أعوازي. لم يقل المرنم عن أي واحدة من هذه ولكنه يتطلّع من خلف هذه الأسباب والطرق جميعها لكي يرى الرب، بل يراه متقدماً عنها جميعاً فيقول: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء".
ثانياً (ع2) احتياجاتنا الروحية.
وللمسيحي فإن العالم المحيط به يصبح برية خاوية. فلا شيء في هذه الأباطيل العابرة تُشبع النفس. فمراعيها جافة وقاحلة، وأما مياهها فمياه المخاصمة. أما إذا كان "الرب راعيّ"، فإنه يقودني إلى مراعي خُضر وبجانب مياه الراحة.
كم تذوي سريعاً مسرات هذا العالم، حتى لدى الذين يرغبونه. أما الطعام الروحي الذي يوفره لنا الراعي فهو منعش دائماً، لأنه يقودنا إلى "مراعي خضراء". وأكثر من ذلك، فالراعي لا يُطعم فقط، ولكنه يُسَّر إذ يجعل خرافه تربض "في مراعي خُضر". ولا يُقال عن خروف يربض أنه جائع وهو محاط بوفرة هائلة من الطعام. إنه يتغذى أولاً وعندما يمتلئ فإنه يستلقي رابضاً. وفضلاً عن ذلك فالراعي يقود إلى مياه الراحة. إن المياه التي تتدفق من مجرى وترتطم بصخور كثيرة تُحدث ضجيجاً عالياً، ومع ذلك فهي مياه ضحلة وقليلة. أما مياه الراحة فهي هادئة وعميقة. إن الراعي يُهدّئ نفوسنا ويروي عطشنا الروحي بأمور الله العميقة بعيداً عن كل المخاصمات والضجيج الذي يُشغل الناس, الأمر الذي يتلهى به المؤمن في أحيان كثيرة.
ثالثاً (ع3) فشلنا وضحالة نفوسنا
ونحن سائرون في برية العالم ربما نفشل في إتباعنا للراعي، وبغض النظر عن فشلنا الحقيقي، فإننا قد نَكّل في الطريق وتجف عواطفنا. ولكن لو كان "الرب راعيّ" فإنه "يَرُّد". وقد يبدو لنا غالباً، أنه عندما نشعر بالإعياء في سيرنا، نظن أنه يمكننا أن نرّد أنفسنا بمجهوداتنا الشخصية وفي الوقت الذي نريده ولكن ليس الأمر كذلك فإننا قد نضّل الطريق ولكنه هو وحده يردنا. لقد رُدَّت نُعمى من تيهانها في أرض موآب وقالت "إني ذهبتُ" وأضافت "أرجعني الرب (إلى بيتي)" وكأنها تقول "أنا ذهبت بعيداً ولكن الرب ردني ثانية". مبارك اسمه، إنه يفعل ويُرّد. أليس كذلك، إن شعب الله على الأرض في معظمهم جماعة كبيرة قد ردها الرب.
وفضلاً عن ذلك، فإنه لا يردنا فقط، بل إنه يقودنا إلى "سُبل البر لأجل اسمه". ويا للأسف فكم يحدث غالباً وربما عن غيرة وإخلاص أن نتحول من "سُبل البر" إلى طرق إرادتنا الذاتية، والتي لا تتوافق مع اسمه. وهذا يبرهن كيف أننا عملياً نسمح للرب أن يقودنا في حدود ضيقة كراعينا. إن سُبل البر التي يقودنا إليها هي "الطريق الضيق" حيث لا مجال بتاتاً للإرادة الذاتية من الجسد، ويمكننا أن نخطو هذا الطريق فقط متى كان الرب راعينا هو الذي أمام أعيننا. وهكذا وجدنا رسولاً بإخلاص حقيقي وغيرة وبثقة شديدة بنفسه يقول: "يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت".
رابعاً (ع4) ظل الموت
حتى لو كنا أحياء وبقينا حتى مجيء الرب ولم نجتاز شخصياً طريق الموت، ولكم مرة تلو الأخرى فإننا نواجه الوادي المُظلم هذا، عندما نرى أحباءنا يؤخذون من بيننا.
أليس إذن طريقنا في هذا العالم هو رحلة في وادي ظل الموت؟ وفوق الكل فهناك الأصوات التي يرين صداها آتية عبر أجراس تدق.
وبالرغم من كل هذا، فمتى كان الرب راعينا فإننا نقول مع المرنم: "لا أخاف شراً لأنك أنت معي". وأمكن للرب أن يقول إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد" (يوحنا8: 51). لم يقل الرب أنه لن يجتاز عبر الموت بل إنه لن يراه. إن أولئك الذين يحيطون بفراش قديس يلفظ أنفاسه الأخيرة قد يرون حقاً الموت، أما الذي يقف حقاً في الوادي المظلم فإنه يرى يسوع. ونحن أيضاً إن كان علينا أن نعبر ذات الطريق فهو مجرد عبور من خلاله إنها رحلة قصيرة جداً، أليس مكتوباً: "غائب عن الجسد.. أكون مع الرب". وفي هذا المعبر خلال الوادي، فليس الرب فقط معنا، ولكنه معنا بعصاه وعكازه العصا لطرد الأعداء، والعكاز ليسندنا به من كل ضعفنا.
خامساً (ع5) مواجهة الأعداء
ونحن محاطون في برية هذا العالم بأعداء يحاولون أن يسلبوا منا التمتع ببركاتنا، ويعوقون نمونا الروحي. ولكن الرب راعينا هو الذي يعد لنا مائدة تجاه مضايقينا. وليس ذلك فحسب، فإنه يعد شعبه لهذه المائدة لأنه يمسح بالدهن الرأس، وهو لا يملأ الكأس فقط بل يجعلها تفيض وتروي. إنه يفعل لنا ذلك بأكثر كثيراً مما فعلناه له في أيام جسده. فقد دعاه واحد من الفريسيين ليأكل معه وبنعمة عجيبة جلس الرب ليأكل في بيت الفريسي، ولكنه قال له: "بزيت لم تدهن رأسي".
سادساً (ع6) الدائرة اليومية
هناك الطريق اليومي الذي نسير فيه "كل أيام" حياتنا. وكل يوم في حياتنا يأتي لنا بواجبات ومشاغل لا تنتهي، ومصاعب وظروف صغيرة وكبيرة. ولكن إذا تبعنا الراعي فسنجد "خير ورحمة" يتبعاننا.
فهل كنا قريبين من الرب؟ تابعين الراعي بمشقة؟ أليست لنا رؤية واضحة تتبع يده في الأشياء الصغيرة للحياة اليومية فنكتشف صلاحه ورحمته؟
سابعاً مشهد الأبدية
وإذ نتطلع إلى ما وراء أيام حياتنا إلى الأبدية التي تمتد في كل ما نراه، فإذا كان الرب راعينا، فإنه لا يقودنا في البرية فحسب، بل في النهاية يحضرنا لكي نسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام. أما للمسيحي فهو بيت الآب، حيث يسكن وليس بعد أعواز الجسد وكل الأشواق الروحية قد وجدت رغبتها، وحيث لا يعترضها الفشل ولا تلكؤ في نمو القلب ولا نواجه بعد ظل الموت ولا يقترب عدو، بل يكون حقاً كأس فائضة رياً، "وكل أيام حياتي" تنتهي "في بيت الرب إلى مدى الأيام". وفي هذا البيت العظيم لن يُفقد واحد من القطيع. "الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد" (يوحنا17: 12).
- عدد الزيارات: 3738