يوسف: من العبودية إلى رئاسة الوزارة
تك 30 وما بعده
كان يوسف صورة مصغّرة عن الربّ يسوع المسيح، لأن أوجه الشبه بينهما كثيرة وعديدة. وإليك بعضها:
كان الابن المحبوب عند أبيه (تكوين 37: 3)
أرسل في مهمة حبية إلى أخوته (تكوين 37: 13)
بيع بقليل من القطع الفضية (تكوين 37: 28)
تجرّب … ولكن بلا خطية (تكوين 39: 7-12)
تألّم بسبب خطايا الآخرين (تكوين 39: 20)
ظُلم … لكنّه رُفع إلى يمين الملك (تكوين 41: 14)
أنبأ بمجيء ضيقة عظيمة (تكوين 41: 29و30)
اتّخذ لنفسه عروساً أممية (تكون 41: 45)
غير أن هذا الشبه يعود إلى بعض السجايا التي كان يتحلّى بها هذا الشاب العصامي.
1- أمانته ـ كانت هذه الصفة بارزة في حياة يوسف فحظي بعون الله وعنايته رغم المصاعب.
وفي النتيجة ارتفع إلى أعلى عليّين. لأن عيني الربّ على أمناء الأرض… ومن أجدر بهذه الصفة أكثر من أولاد الله ورجال الله وخدّام الله.؟!
يوحنا كان أميناً رغم نفسه في بطمس
دانيال كان أميناً رغم طرحه في جبّ الأسود
موسى كان أميناً رغم احتماله عار المسيح
أرميا كان أميناً رغم وضعه في السجن
نحميا كان أمينا رغم المقاومة الشديدة.
استير كانت أمينة رغم الخطر المحدق بها
يسوع كان أميناً حتى الموت موت الصليب
التلاميذ كانوا أمناء حتى الموت رغم الاضطهاد العنيف
ويوسف كان أميناً في بيت سيّده المصري. وقد لاحظ سيّده ذلك فوكّله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له. كيف لاحظ فوطيفار أمانته؟ لا أعلم.
ربّما من الطريقة التي كان يقوم فيها بعمله
ربّما من الطريقة التي كان يصرف فيها وقته
ربّما من الطريقة التي كان يكلّم بها سيدته
ربّما من الطريقة التي كان يعبر فيها عن رأيه
ربّما من الطريقة التي كان يهتمّ فيها بما بسيّده.
المهم في الموضوع أنه كان أميناً ولأجل ذلك أنجح الربّ بيده كلّ ما كان يصنع وبارك فوطيفار بسببه.
كذلك ظهرت أمانته في بيت السجن إذ جعل له الله نعمةً في عيني رئيس السجن. فكان أن دفع رئيس السجن إلى يد يوسف جميع الأسرى وككّله عليهم.
وفوق الكل كان أميناً لإلهه رغم التجارب والحبائل التي حاول الشيطان إيقاعه بها. فخرج منها كلّها ظافراً منتصراً.
أخي القارئ: "كن أميناً إلى الموت فٍسأعطيك إكليل الحياة". هذه هي وصية الربّ. من يعمل بها سوف يسمع صوته في ذلك اليوم العظيم قائلاً: "نعماً أيها العبد الصالح الأمين. كنتَ أميناً في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيّدك".
2- طهارته ـ إنّ الجمال عند النساء والرجال كثيراً ما يكون فخّاً لهم ولغيرهم. وهذا ليس مدعاةً للافتخار بل يستوجب منا كلّ حذرٍ وانتباه وسهر لكي لا نسقط في التجربة التي تنشأ عنه.
لقد تعرّض يوسف، بسبب جماله، لأقسى تجربة يتعرّض لها شاب. آه ما أكثر الشباب اليوم الذين ينحرفون وينجرفون وراء النجاسة والزنى! ما أكثر الشباب الذين يجنحون ويجمحون وراء إغراءات وإغواءات النساء! ما أكثر الشباب الذين تخدعهم شهوة العيون وشهوة الجسد. حبّذا لو أنهم يتّخذون من يوسف قدوة ومثالاً. نعم، هاجمته التجربة بأعنف صورها لكنّه تغلّب عليها باسم ربّ الجنود.
كما تغلّب شمشون على الأسد الهصور
كما تغلّب داود على الأسد والدبّ معاً
كما تغلّب داود على جليات الجبار
كما تغلّب الرسل على الأرواح الشريرة
وسرّ انتصاره يرجع إلى أنه نظر إلى التجربة من ثلاث نواحٍ. لا، نظر إلى نفسه ـ
كمخلوقٍ على صورة الله
كمؤمنٍ صادق بالله
كمن له شركة مع الله
كمن يراه ويرعاه الله
كمن ليس لنفسه بل لله
كان كمن يقول لنفسه ما قاله يسوع "أعطوا لله ما لله". أو ما قاله بولس الرسول: "فآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا". لقد عرف مقامه كرجل الله وقدر امتيازاته وعلاقته بخالقه.
ثانياً، نظر إلى الخطيّة ـ وكأنّه قال في نفسه:
الخطيّة دنسة ونجسة
الخطية ردية ودنيّة
الخطية مقيتة ومميتة
الخطيّة شرّ وضرّ ومرّ
أو على حدّ قول الشاعر:تعطيكَ من طرف اللسان حلاوةً وتروغ منك كما يروغ الثعلب".
فلد يراعها بل نبذها واحتقرها بالرغم من أن الكثيرين ينظرون إليها كشيء تافه بسيط.
وأخيراً، نظر إلى الله ـ عرف أن الخطيئة ضدّ الله وضدّ طبيعته القدوسة وسلطانه الشامل. فما كان منه إلاّ أن هرب لحياته إذ قال "كيف أصنع هذا الشرّ العظيم وأخطئ إلى الله" بالحق إن أفضل وسيلة للنجاة في التجارب والشهوات الشبابية هي الهرب منها. فإن كان الهرب في بعض الأمور هو ثلثا "المراجل" فالهرب من الشهرة هو كلّ "المراجل". قال الرسول بولس "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها" (تيموثاوس الثانية 2: 22).
3- تواضعه ـ كثيرون من الناس يصابون بالكبرياء والبطر إذا حالفهم النجاح في الحياة لدرجة أنهم يظنون أنهم أصبحوا من طبقة غير طبقة الناس ومن جبلة غير جبلتهم، فيتنكّرون لأصدقائهم ويبتعدون عن أقربائهم ويحسبون أنفسهم أنصاف آلهة.
غير أنّ يوسف كان عكس ذلك تماماً لأنه كان يعلم، كما قال الربّ، إن من يرفع نفسه يتّضع ومن يضع نفسه يرتفع، فلم ينسب لنفسه شيئاً من الحكمة والمعرفة بل أعطى المجد كله لله. ما أشبه تواضعه.
بتواضع وليم كاري
بتواضع إبراهيم لنكولن
بتواضع بطرس ويوحنا
وما أبعد تواضعه
عن كبرياء هيرودس الذي أكله الدود فمات
عن كبرياء الفريسي الذي صعد إلى الهيكل
عن كبرياء نابليون حين قال "المستقبل لي"
بعد أن تبوّأ مركزه الرفيع في المملكة لم يرد أن يغتنمها فرصةً ليفعل ما يفعله بعض الحكّام والمتسلّطين، لكنه بقي كما كان … يوسف الذي يخاف الله (تكوين 42: 18)، يوسف الوديع المتواضع.
4- محبّته ـ إن سيرة يوسف وسلوكه يظهر أنه
كأنه كان من أبناء العهد الجديد
كأنه كان يعرف القاعدة الذهبية
كأنه سمع قول يسوع "أحبّوا أعداءكم"
كأنه قرأ أصحاح 12: 21 من رسالة بولس إلى رومية
كأنه كان يعرف الصلاة الربانية
لم يرد يوسف أن يسيء إلى أخوته الذين قصدوا به شراً. مع العلم أنه كان بإمكانه أن يفعل ذلك لو أراد. لكنه قابل الإساءة بالحسنى، والبغضة بالمحبة.
هذا يذكرنا بمعاملة داود لشاول
هذا يذكرنا بموقف استفانوس من قاتليه
هذا يذكرنا بمحبة يسوع لصالبيه
فلما شاهد أخوته تحرّكت أحشاؤه وانفتحت ينابيع دموعه فسالت على وجهه مدراراً، بل تساقطت عَبَراته على وجوه أخوته إذ كان يُعانق كلاً منهم ويقبّله بمفرده (تكوين 45: 15).
لقد صدق فرعون حين قال "هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟".
ولقد صدق المرنّم حين قال:
في الحبّ أمنٌ ونجاحْ في الحبّ سترٌ وسماحْ
في الحبّ تكميلُ الصلاحْ فالحبّ يا نعمَ الوشاحْ
صلاة: يا ربّ هاتِ ما عندكَ من يوسفين. آمين.
- عدد الزيارات: 6470