Skip to main content

عيسو: أكلة مجدّرة جعَلت حياته مُكدّرة

تك 25 وما بعده

عيسو، كبعض الشباب في عصرنا الحاضر، كان يتباهى بقامته ويعتزّ بمقدرته وقوة عضلاته. وُلد خشناً أشعر، وعاش حياةً كلّها خشونة. دعاه الكتاب "إنسان البرية" لأنّه كان مولعاً بصيد الحيوانات البرية على اختلاف أنواعها. ويُرجّح أنه كان يلتقي في أحايين كثيرة ببعض الحيوانات المفترسة وكان بسبب قوة بأسه ورباطة جأشه يقضي عليها. ولا بدّ أنه كلّما رجع إلى بيته، كان يروي لأهله قصصه البطولية واختباراته في البرية، وهذا مما زاده غروراً واعتداداً بنفسه. كان يعيش لنفسه ولساعته وكل ما كان خارجاً عن نطاق ذاته كان بلا أدنى قيمة. كان شعاره على حدّ تعبير اليوم: "عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة".

لنتأمّل نقاط الضعف عند عيسو لعلّنا نتّعظ ونعتبر.

1- غلبَتْه شهيّته وشراهته: كان عيسو من جماعة "بطن ملان ـ كيف تمام".

كان أكولاً شرهاً يأكل أضعاف ما يأكل غيره وقد جعل من معدته إلهاً له. فكلّما اشتمّ رائحة الطعام كانت عزيمته تخور. أكلة طيبة كانت عنده تساوي الدنيا. كيف لا والأكلة من النوع الذي يحبّ ـ عدس أحمر. فيما أن اهتمامه كان يدور حول نفسه، اختار أن يتمتّع بالأكل الشهيّ لساعة دونما أدنى حساب للعاقبة الوخيمة. وكانت النتيجة أنه:

2- استبدل الغالي بالبالي ـ كانت البكوريّة ذات امتيازات عظيمة لصاحبها.

فمن الوجهة الزمنية كان البكر كوليّ العهد عند الملوك اليوم: له اعتبار خاص ومقام خاص وحقوق وامتيازات خاصة. كانت حصّته في الميراث حصّة الأسد. أضف إلى ذلك بركة ورضى والديه. أما من الوجهة الروحية فكان البكر، على حدّ قول ف.ب.ماير، "كاهن الأسرة أو العشيرة، ومستودع الأسرار الإلهية وناقلها إلى البشرية، وحلقة في سلسلة النسب الذي يولد منه المسح. وكان لصاحب البكورية حقّ نوال القوة والاقتدار مع الله والناس، وحقّ استلام وتسليم مشعل رجاء المسيّا، وحقّ وراثة المواعيد والعهود التي قطعها الله لإبراهيم، وحقّ القيام بين أبطال العالم في الحياة الروحيّة، وحقّ الإقامة كأحد غرباء الأبدية دون أن يُطالب بوطأة قدم لأنّ السماء كلّها مضمونة له".

أما صاحبنا عيسو فقد ضرب بكلّ هذه الامتيازات عرض الحائط وظنّ أنه لن يعيش ذلك العمر الذي يتيح له التمتّع بهذه كلّها. فقال "هاأنا ماضٍ إلى الموت. فلماذا لي بكوريّة؟"، وكأن لسان حاله يقول: " لنأكل ونشرب لأننا غداً سنموت".

فكان أن احتقر البكورية وباعها لأخيه مقابل شيء تافه جداً ـ صحن من المجدّرة. يا للغباوة!!

استبدل الغالي بالرخيص

استبدل القيّم بالزهيد

استبدل الباقي بالبائد

أخي القارئ، كم من مرة تبيع بكوريّة نفسك الخالدة بما هو أتفه من العدس الذي أكله عيسو. إنّك تبيعها مقابل:

غـرور الخطية

أو منفعة مادية

أو شهوة دنيّة

أو متعة وقتية

3- تزوّج بفتيات أجنبيات ـ اتّخذ عيسو لنفسه زوجتين: يهوديت وبسمة وكلتاهما غريبتان.

وهذا الأمر، كما نفهم من كلمة الله، يتنافى مع المبادئ والمقاصد الإلهية. لهذا نقرأ في الكتاب أنهما "كانتا مرارة نفسٍ لإسحق ورفقة". نحن نذكر ما قاله إبراهيم ـ جدّ عيسو ـ لعبده أليعازر الدمشقي حين طلب إليه أن يجد زوجةً لابنه اسحق. قال "أستحلفك بالربّ… أن لا تأخذ زوجةً لابني من بنات الكنعانيين… بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجةً لابني اسحق" (تكوين 24: 3و4). والسبب هو أن إبراهيم كان أميناً للربّ وعرف أن الالتصاق بالأجانب خطيّة قبيحة في نظر الله.

بسببها أهلك الله العالم القديم بالطوفان

بسببها ساد بيت اسحق جو من الحزن والمرارة

بسببها غضب الله على شعبه مراراً

بسببها ارتدّ الكثيرون من الكهنة وخدّام الله

بسببها انقاد سليمان الحكيم إلى الحماقة

وبسببها تتحطّم حياة الكثيرين في عصرنا الحاضر

قال الرسول بولس "أية شركة للنور مع الظلمة... وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن". احذر أيها المؤمن المرأة الأجنبية التي تغرّك بمظهرها وأناقتها وكلامها الملق المعسول. فإنها "طرحت الكثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء". حقاً إن "الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً". لقد حصد عيسو ما قد زرع فكان أن:

4- خسر الأرضيات والسماويات ـ نعم خسر خسارةً لا تعوّض: بركة الأب ورضى الرب.

عوض أن يكون سيّداً صار عبداً مَسُوداً

عوض أن يتمتّع بالخيرات صارت أرضه بلا دسم

عوض أن يعيش بسلامٍ صار يعيش بسفه

ما أصدق كلمات يسوع حين قال "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه".

وما أصدق نصيحة يسوع حين قال "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية". وأخيراً …

5- أحسّ بالندم بعد العدم ـ "لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع".

لقد استيقظ ضميره من سباته العميق ولكن بعد فوات الفرصة. فالشيء الذي احتقره واستخفّ به كان جديراً بأن يحظى باهتمامه قبل كل شيء، لكنّه لم يضع الأمور الأهمّ أولاً. وهل يمكن عمل شيء مع شاب مغرور ومتعدّ بنفسه؟!

ما أكثر الشباب والشابات في عصرنا الحاضر الذين هم على شاكلة عيسو، يحيون حياة اللّهو والعبث ويزدرون بالأمور الأبدية. وما أن يمرّ قطار العمر السريع حتى يستفيقوا لأنفسهم فيندمون أشدّ الندم ولات ساعة مندم. هؤلاء يصحّ فيهم قول الربّ "ويل لكم أيها الضاحكون… لأنّكم ستبكون". يا من تقرأ هذه الكلمات.

ابكِ هنا لئلاّ تبكي هناك

اندم هنا لئلاّ تصرخ هناك

اصرخ هنا لئلاّ تصرخ هناك

لأن هنا… الخلاص والغفران

وهناك… البكاء وصرير الأسنان

وهنا … الراحة والسلام

وهناك … عذاب إلى أبد الآبدين

هنا … الحياة والسعادة

وهناك … الموت الثاني

الشيطان يقول لك: أجّل …

والربّ يقول لك: عجّل …

فلأيّ منهما تسمع؟

  • عدد الزيارات: 5983