قيمة الإنسان
(مرقس 3: 23)
لا يستطيع الإنسان، أيا كان، أن يكون ناجحا ونافعا في حياته وعماله ما لم تكن له نظرة سليمة وقويمة إلى الإنسان بكلمة أخرى، علينا أن نقدر الإنسان حق قدره ونقومه تقويما صحيحا إذا شئنا أن نكون مثمرين في الحياة.
هنا يوبخ الرب الفرسين الذين جعلوا كل شيء أهم من الإنسان وفوق الإنسان وقبل الإنسان، ومن بين هذه الأشياء – السبت. لكن يسوع، وضع السبت، قال- بعد الإشارة إلى داود واكله خبز التقدمة الذي لا يحل آكله ألا للكهنة- قال ما معناه: أن الإنسان أهم من كل شيء، بما في ذلك السبت، لان كل ما في الوجود خلق ليخدم صالح الإنسان الزمني والأبدي . "السبت جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت" .
نستنتج من هذا أن كل ناموس، وكل مبدأ، وكل سياسة، وكل فلسفة وكل حركة، وكل عقيدة، وكل مؤسسة، و كل موقف، و كل تصرف لا يخدم مصلحة البشر دنيويا واخرويا يجب الضرب بها عرض الحائط و نبذها نبذ التوراة.
واليكم الأسباب:
1 - الإنسان منذ الأزل في فكر الله .
وهذا لا يعني بالطبع أن الإنسان أزلي كما ظن بعض الفلاسفة.المقصود هنا هو ان الإنسان و حالة الإنسان و حاجة الإنسان استحوذت على فكرة الله في الأزل، الأمر الذي أدى بالمسيح، على حد قول الشاعر جون ملتون، أن يتخلى عن مجده و عظمته و جلاله و يختار أن يسكن معنا في مظلم من طين. لو لم يكن ذا قيمة في نظر الله لما أولاه كل هذا التفكير والاهتمام حتى من قبل أن يخلق.من هنا كان القول أن خطة الخلاص لم تكن طارئة وان الصليب لم يكن حدثا مفاجئا وان دم المسيح كان معروفا سابقا "قبل الأزمنة الأزلية".
2-الإنسان صنعه الله .
أن عظمة الأشياء تعود إلى عظمة أصحابها.كما وان الأشياء العظيمة تكتشف عن عظمة صانعيها.يقال أنه بعد وفاة الكاتب الأمريكي أدغار ألن بو بمائة سنة بيعت إحدى رسائله المكتوبة بخط يده، والتي لا تزيد عن ستة أسطر، بعشرين ألفا من الدولارات.و كل ذلك لأنها من وضع كاتب شهير كبير.
فأن كان هذا هو شأن ما صنعه البشر، فما عسانا نقول عن الإنسان الذي هو من صنع الله؟ ألفت الانتباه هنا إلى أن الله لم يخلق الإنسان بكلمة كما فعل بسائر الأشياء بل جبله بيمينه العزيزة و نفخ فيه نسمة حياة فصار نفسا حية.في ذلك اليوم – اليوم السادس من الخليقة – رأى كل ما عمله فإذا هو حسن جدا وليس مجرد حسن كالأيام السابقة، والسبب؟ أن الإنسان خلق في اليوم نفسه .
3 – الإنسان على صورة الله .
واين صورة الله هذه؟ أهي في كون جسم الإنسان قائما بخلاف حيوانات الدنيا؟ أهي في قدرته على النطق؟ هناك شبه اجماع بين اللاهوتيين على أن صورة الله هي في الصفات المميزة للشخصية.بعبارة أخرى، هي في العقل المفكر و في الإرادة الحرة القادرة على الاختيار، و في العاطفة.و هذه المقومات لم تعط إلا للإنسان.
قال كاتب المزامير: "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه".فأن كانت الطبيعة لم يخلقها الله على صورته، ترينا شيئا أواشياء عن الله و صورته، و تبدو بالتالي عظيمة و مجيدة بهذا المقدار، فلا شك أن صورة الله في الإنسان هي أوضح بكثير .
و بالمناسبة أقول أن الصورة هي دليل الملكية.فالرب الذي قال لدى رؤيته صورة قيصر "أعطوا ما لقيصر لقيصر" هو نفسه يقول لحاملي صورة الله "أعطوا ما لله لله"
4-الإنسان مبتاع بدم ابن الله .
و هذا أغلى واعلى ثمن يدفع مقابل أي شيء في تاريخ الزمن والأبد – أن صح التعبير، و نحن نعلم أن قيمة الأشياء تتوقف على ما يدفع فيها.فبما أن الله دفع ابنه ثمنا لفدائنا يكون الإنسان أثمن المخلوقات على الإطلاق: و هذا يتفق مع قول المسيح عن قيمة الإنسان في نظره "ماذا ينتفع الإنسان لو ربه العالم كله و خسر نفسه؟".
فلنظر إلى الإنسان كما ينظر إليه الله.فهو ليس سوبرمان ولا هو حيوان.فأن كان بعض الدول أوالأحزاب أوالمجتمعات أوالفلسفات لا تقيم وزنا للإنسان (أو بالعكس تحاول تأليهه) فذلك لا يعني أن الإنسان زاد أو نقص عما هو . ولذا كان من واجبنا أن نحترمه، لأننا باحترامنا أياه نحترم الثمن الذي بذل في سبيله، والعكس صحيح أيضا، أن كنا نـزدري به نـزدري بالثمن الذي دفع من أجله.
5 –الإنسان المتجدد واحد وابن الله .
أي أن المولود من الله ينال طبيعة جديدة و يصير في المسيح والمسيح فيه.من هنا كان قول الرسول بطرس "صائرين شركاء الطبيعة الإلهية".و معنى هذا أننا والمسيح صرنا شيئا واحدا باعتبار أننا أعضاء جسده.تأمل أيها السامع الكريم أن في وسعك أن تصير واحدا مع المسيح.وهذا أمر أكده الرب نفسه مرارا و تكرارا.فمن يمسنا يمس حدقة عينه و من يقبلنا يقبله و من يرفضنا يرفضه
كل من يضع الإنسان في مرتبة دون مرتبته و يقدم شيئا عليه لابد أن يكتشف في النهاية أنه كان على ضلال مبين.هذا ما بينه أحد الكتاب القصصيين الإنكليز حين تحدث في كتاب له عن أب ربى ابنه على نظام و ترتيب معينين تحت مراقبة شديدة غير آبه بمشاعر ابنه. قبل الولد بكل ذلك على مضض حتى شب واتيحت له الفرصة للتخلص من وطأة الوالد.و كان أن فر ليتمكن من العيش حرا.و في النهاية أدرك الأب خطأه واقر بأنه كان السبب في ذلك كله لأنه جعل النظام فوق ابنه و قبل ابنه.
أن هذا ليتفق تمام مع ما قاله الرب "السبت أنما جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت" و يا حبذا لو عملنا بهذا المبدأ في جميع علاقتنا الفردية والعائلية والاجتماعية والعالمية.و متى فعلنا ذلك وجدنا أن معظم مشاكلنا قد حلت وان الأرض أصبحت كالفردوس .
صـــلاة: ما أعظمك أيها الرب وما أمجد أعمالك.فأنت عظيم في حكمتك و في خلقك، و في فدائك و قصدك.فلأجل الإنسان الغالي عليك فعلت كل ما فعلت وخلقت كل ما خلقت.أرجوان تعينني كي أنظر إلى نفسي والآخرين واهتم روحيا بخير نفسي والآخرين بذات نظرتك واهتمامك.باسم يسوع الذي اشترانا بدمه الكريم.آمين .
- عدد الزيارات: 64156