لا تؤذِ نفسك
(أع 16: 19 – 34)
تدل الإحصاءات على أن نسبة الذين يقضون انتحارا في العالم هي أعلى نسبة بين الذين يموتون بطرق أخرى، باستثناء مرض القلب.و هذا ليس بالشيء الجديد بل هو قديم قدم الإنسان.ولنا في أعمال الرسل 16: 19 –34 مثل على ما أقول.فان حارس السجن في فيلبي كان قد وضع أرجل بولس و سيلا في المقطرة ووضعهما في غرفة داخلية بعد أن ألقى عليهما ضربات قاسية.ولكونه متغطرسا فقد ظن أنه سيد الموقف.ولكن لما حدثت الزلزلة في منتصف الليل و ظن أن المساجين هربوا، أستل سيفه محاولا الانتحار .
أن حوادث كهذه تدعو ولا شك إلى الأسى والأسف، لكن ما هو اشد وادهى هو المنتحرين روحيا يفوقون المنتحرين جسديا بما لا يقاس.هذا مع العلم أن نعمة الله التي تداركت السجان على فم الرسول بولس بقوله: "لا تفعل بنفسك شيئا رديا" .. لم تزل تقول لمن هو في حالة مماثلة: لا تؤذ نفسك.
لا مناص هنا من السؤال التالي: متى يكون المرء في حالة انتحار روحي؟ الجواب هو
عندما يتعصب لما لم يختبره بنفسه . والمقصود التعصب هنا ما تعنيه الكلمة أصلا أي وضع عصابة على العينين بحيث لا يعود المرء يرى شيئا ليس لانه أعمى بل لانه لا يريد أن يرى.وكما يقول المثل الإنكليزي: ليس أعمى كمن لا يريد أن يرى .
ما رأيك لو وقف العلماء من العلم موفقا مماثلا؟ أتظن أن العالم، والحالة هذه، يبقى عالما؟ طبعا لا.والسبب هو ان العلم معناه الحقيقية.والعالم أنما هو انسان يبحث عن الحقيقة، ولذلك فهو لا يقدر أن يكون متعصبا لا دينيا ولا اجتماعيا.هكذا هو شأن كل من يبحث عن الحق والحقيقة.و عليه فأنا أنصحك، أن كنت متعصبا لسبب من الأسباب، أن تتخلى عن تعصبك و تنظر إلى نفسك والى الله والى موضوع الخلاص بروح الباحث المخلص، عنيت بموضوعية تامة.فإذا وجدت، بعد البحث، أن ما تعرفها صحيح، فلك الحق عند ذاك أن تمسك به ولا ترخيه.أما إذا وجدت العاكس فما عليك إلا بطرحه جانبا والتمسك بما يعلنه لك الله.أؤكد لك أن الله لا يترك باحثا مخلصا إلا و يرشده سواء السبيل .
ثم يكون المرء في حالة انتحار روحي عندما يحيا جاهلا، بينما المعرفة ي متناول يده.واقصد بالجهل هنا جهل الذات و جهل كلمة الله. فمن جهل نفسه جهل كل شيء.قال سقراط: "أعرف نفسك".و هذه الحقيقة ذاتها يشدد عليه الكتاب المقدس إذا كيف يتوب المرء عن خطيته أن لم يعرف أولا أنه خاطئ؟ و كيف يتصالح الإنسان مع الله وهو يجهل أنه في عداء معه؟ و كيف يطلب المغفرة إن لم يعرف أنه مذنب؟ خير مثالا على ما أقول الفريسي والعشار الأول لم يعرف نفسه لذلك بقي على حاله ولم يتغير فيه شيء.أما العشار فعرف بل أعترف بواقعه قائلا: "اللهم أرحمني أنا الخاطئ"."فنـزل إلى بيته مبرر" على حد ما قال الرب.
و ما جهل كلمة الله فلا يقل خطورة.قال الرب: "تضلون إذا لا تعرفون الكتب (المقدسة) ولا قوة الله" لماذا؟ لان الكلمة نور و من يجهلها يحيا في ظلام.الكلمة غذاء و من يجهلها سقيم.الكلمة حق و من يجهلها يعيش في الباطل.الكلمة دليل و جاهلها ضال.الكلمة حياة و جاهلها ميت.والكلمة هي كلمة الله و من يجهلها يجهل الله، وجهل الله هو ذروة الجهل.أني أحثك بكلمة الرب قائلا: إلى الشريعة والى الشهادة، و هكذا تعرف نفسك و ربك .
ثم المنتحر هو من يعيش حياة الاستخفاف واللامبالاة.أعني هنا من يستخفون بالخطية.فهم أما ينكرونها على غرار بعض البدع الشائعة واما ينكرون تأثيرها على البشر. و يفوتهم أن الخطية هي التي تستخف بهم و تضحك منهم.
هناك بعض ممن يستخفون بحقيقة جهنم، و بذلك يستخفون بتعليم المسيح عن موضوع العذاب الأبدي. فالمسيح علم و تكلم عن جهنم أكثر منه عن السماء.لا شك أن منكري الجحيم سيغيرون فكرهم متى وصلوا إلى هناك.
وافظع الكل الاستخفاف بالمسيح أو المسيح كما جرى في كورة الجدريين لما أخرج الرب الأرواح وادخلها في الخنازير التي اندفعت من على الجرف و غرقت.فما كان من أهل الكورة إلا أن طردوا المسيح من كورتهم لأنه قتل خنازيرهم.
أيها القارئ العزيز، آمل ألا تكون ممن تكلمنا عنهم، ولكن أن كنت منهم أريدك أن تعلم من كلمة الله أنك تنتحر.لكني في الوقت ذاته أؤكد لك أن نعمي الله تقول لك الآن: لا تؤذ نفسك، لا تفعل شيئا رديا: فالله يحبك والمسيح مات لأجلك والخلاص في متناولك. فكما قبل السجان الخلاص بعد أن كان مصمما على الانتحار بوسعك أنت أيضا أن تختبر خلاص الله بالإيمان بالرب يسوع المسيح.
صـــلاة: نرجو يا رب أن تحكِّمنا لكي نقلع عن محاولة القضاء على نفوسنا بالتعصب والجهل والاستخفاف.وجه أنظارنا و قلوبنا إليك واعطنا أن نطلبك قبل فوات الفرصة، لا سيما وانك تحبنا و قد بذلت ابنك من أجلنا.آمين .
- عدد الزيارات: 3350