توبوا
(لو 13: 1)
(مت 11:20-24)
التوبة هي من الموضوعات الهامة التي يشدد عليها الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد.فمنذ آلاف السنين قال النبي أشعياء: "اطلبوا الرب ما دام يوجد، أدعوه وهو قريب.ليترك الشرير طريقه و رجل الأثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه والى إلهنا لانه يكثر الغفران". و بعده بسبع مئة سنة جاء أعظم المولودين من النساء، يوحنا المعمدان، قائلا: "توبوا لانه قد أقترب ملكوت السموات".و قد افتتح المسيح خدمته الجهارية بقوله: "توبوا وامنوا بالإنجيل".و بعد ذلك تكلم في مناسبات عدة عن ضرورة التوبة، و قد اقتدى به الرسل والتلاميذ مشددين على التوبة والرجوع إلى الله من كل القلب. مثال ذلك بطرس الرسول: "أن الله لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة" و قوله أيضا: "فتب عن شرك هذا واطلب إلى الله عسى أن يغفر لك فكر قلبك" .
لماذا يجب أن نتوب؟
أولا: لان التوبة أمر من الرحمان .
قال الرسول بولس في معرض حديثه مع الفلاسفة اليونانيين واتباعهم: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيا عن أزمنة الجهل". و سبب الأمر هذا نجده في حديث المسيح مع الجليلين أذ قال: "أن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون".أي أن عدم التوبة يعني الهلاك، الهلاك هو الشيء الذي يريد الله أن ينجينا أياه .
و عندما نقول أن الله يأمر بالتوبة، هذا يعني أن الله يرغم الإنسان عليها.أن أمر قبولها أو رفضها متروك للإنسان نفسه.لكن الله _ من جانبه _ ينصحنا بالعمل بأمره لخيرنا. والا فلماذا يقول كاتب رسالة رومية: "أن لطف الله أنما يقتادك إلى التوبة".ولكنه يستأنف قائلا للعصاة الذين يوصدون قلوبهم في وجه لطف الله: "و لكن من أجل قساوتك و قلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا في يوم الفضي واستعلان دينونة الله العادلة" .
ثم يجب أن نتوب، لان التوبة بركة للإنسان.
أنها توفر للمرء كامل الأمان في الدنيا والآخرة لأنها الوسيلة التي تنقله من تحت غضب الله ومن تحت إمرة الشيطان إلى ملكوت المسيح. فمن يتجاهلها أو يزدريها يقامر و يغامر بحياته.والحكيم هو من يعمل لسلامة نفسه .
يقال أن شعار شركات الطيران في العالم هو "السلامة أولا". أي إذا تعرضت طائرة للخطر في يوم من الأيام فالاهتمام ينصب أول ما ينصب على سلامة الركاب قبل سلامة أي شيء أخر.فأن كانت سلامة الجسد مهمة بهذا المقدار، فلا شك أن سلامة النفس وامانها أهم بكثير .
و بالإضافة إلى الأمان، هناك بركة الغفران.يقول الرسول بطرس: "توبوا لتمحى خطاياكم".فلا غفران للخطية إلا بالتوبة، والغفران يمكن أن يشرى بمال أو ينال تدريجيا وبالتقسيط أو بالاماتات و بعض المجهودات البشرية.بل أن هذه مورست فعلا في التاريخ وما يزال، ولكن الكتاب المقدس واضح من هذه الجهة.أتذكر ما قاله المسيح على الصليب؟ قال "يا أبتاه أغفر لهم ." فالله هو الغافر.و حتى أعداء المسيح اعترفوا بهذه الحقيقة يوم قالوا: "لا أحد يغفر الخطايا ألا الله وحده ."
والغفران معناه: الستر.قال داود الذي أختبر نعمة الغفران: "طوبى للذي غفر أثمه وسترت خطيته". وهو يعني أيضا المحو: "حسب كثرة رأفتك أمح معاصي" و يعني كذلك الطرح والنسيان. فالله يقول: "خطاياكم و تعدياتكم لا أذكرها فيما بعد"و يقول النبي أشعياء مخاطبا الله: "فأنك طرحت وراء ظهرك كل خطاياي ."
ثالثا، التوبة ضرورية لأنها توأم الإيمان .
أي لا إيمان بدون توبة ولا توبة بدون إيمان.فإذا فصل أحدهما عن الأخر أصبح ميتا لا حياة فيه.يذكرني هذا بتوأمي سيام المشهورين اللذين ولدا ملتصقين أحدهما بالأخر . و قد رأى الأطباء أن فصل الواحد منهما عن الأخر معناه الموت لكليهما.هكذا هو شأن التوبة والإيمان .
أرى من واجبي الآن أن أقول كلمة في معنى التوبة: التوبة لا تعني مجرد الندم أو التأسف على الخطية.يهوذا الاسخريوطي ندم على فعلته ولكنه مضى و شنق نفسه.ولا تعني أيضا تلاوة ما يسمى بفعل الندامة أو اجراء إصلاح و تحسين على الحياة بالجهد الذاتي.بل أنها تعني تغيير وجهة سير المرء بحيث يتخذ اتجاها معاكسا للاتجاه الأول.لذا نجد الله يقول: "توبوا وارجعوا" "ارجعوا إلي، يقول الرب ." فبعد أن يكون المرء سائرا، بإيعاز من إبليس والخطية، نحو حافة الهلاك والموت الأبدي يسمع نداء الله و دعوته له بالتوبة، فإذا به يلتفت إلى مصدر النداء فيرجع من حيث أتى و يتجه نحو يسوع المسيح الفاتح ذراعيه له.فيغتسل بدمه و يحظى بسكنى الروح القدس فيه ويصبح خليقة جديدة في المسيح يسوع .
سئل جندي مرة عن كيفية توبته واهتدائه إلى الإيمان فأجاب على طريقته العسكرية بقوله: كنت سائرا في طريق الخطية واذا بي أسمع صوت الرب قائلا لي: "إلى الوراء در".فاستدرت و رحت أمشي نحوه.و منذ ذلك الحين وانا إلى الأمام أسير.
عليك يا أخي باتخاذ هذه الخطوة التي بدونها لا خلاص. و متى فعلت فستجد الرب مرحبا بك و موجها إياك قدما في الحياة المسيحية – حياة التوبة ولإيمان .
والسبب الرابع للتوبة هو انها تشكل هزيمة للشيطان . وكل ما يزعج الشيطان يبهج المنان.ولهذا يقول العهد الجديد أن "السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب". لماذا؟ لان تلك النفس تكون قد اختطفت من يد الشيطان وانقذت إلى الأبد. والحق يقال أن المسيح جاء من السماء لكي ينقض أعمال إبليس.و هداية الخطاة إلى التوبة والإيمان هي خير وسيلة لا لحاق الهزائم بعدو النفوس .خاطب الله بولس (رسول الأمم) بقوله "أنا الآن أرسلك إلى الأمم لتفتح عيونهم كي يرجعوا (أي يتوبوا راجعين) من ظلمات إلى نور و من سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا و نصيبا مع المقدسين . "
واخيرا، التوبة لها أهميتها و شأنها لأنها مرهونة بزمان .
يقول الرب في هذا الصدد عن امرأة شريرة في إحدى كنائس آسيا الصغرى: "أعطيتها زمانا لكي تتوب فلم تتب" و كذلك فعل الله في العهد القديم إذ أرسل يونان للمناداة على مدينة نينوى منذرا و محذرا أنه بعد 40 يوما تهلك نينوى.ولكن أهل نينوى تابوا إلى الرب بالمسوح والرماد قبل انقضاء المدة، فكان أن رجع الله عن غضبه و عفا عن المدينة .
نرى من المثلين السابقين أن بعضا من الناس يرفضون فرصة التوبة والبعض الأخر يغتنمونها.و في كلتا الحالتين الفرصة محدودة فمن يهملها ضاعت منه إلى الأبد.الا يقول الكتاب المقدس عن عيسواخي يعقوب أنه لم يجد للتوبة مكانا مع أنه طلبها بدموع؟ ولماذا حدث ذلك؟ لأن فرصة التوبة محدودة، ولان روح الله لا يدين في الإنسان إلى الأبد .
تعال إلى الرب تائبا من كل القلب واعلم أن دموع التوبة – كالتي ذرفها بطرس تلميذ المسيح _ هي أثمن ما في الدنيا.قل للرب بكلمات المرنم:
تبت إليك راجعا بالقول والفعل
فاقبلني ربي سامعا نداي واغفر لي
يا سيدي كم نادم أنا يا منقذي من وهدة ألفنا
هبني الحياة في دار الخلود
صـــلاة: شكرا لك يا رب لانك لا تدخر وسيلة في سبيل إنذارنا و توجيهنا في الطريق السوي. نشكرك لأنك أعطيتنا فرصة كي نتوب و نرجع إليك واضعين ثقتنا وايماننا بالمسيح المخلص الوحيد.هبنا جميعا أن نهتبل هذه المهلة المحدودة قبل فواتها واعطنا مع التوبة أن نصنع أثمارا تليق بها و تؤول لمجد اسمك.و بذلك نكون قد أطعنا أمرك و نلنا بركتك والحقنا الهزيمة بالشيطان وابهجنا قلبك أيها المنان الرحمان.باسم المسيح فادينا. آمين .
- عدد الزيارات: 5602