نهاية الزمن
ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع. ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله? انفتحت أسفار, وانفتح سف آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار حسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وَطَرِحَ الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني، وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرِحَ في بحيرة النار.،،
(سفر رؤيا يوحنا .2: 11-- 15 )
إن اقتراب نهاية هذه السنة يدفعنا إلى التفكير أولاً بالماضي فنشكر الله على جميع خيراته العظيمة التي منحنا إياها والتي لم نكن نستحقها. ولكننا لا نفتكر فقط بما مضى بل نبدأ أيضاً بالتفكير بالمستقبل الذي ينتظرنا. ومن المناسب جداً لنا أن نُفكر أحياناً في هكذا أوقات بأمر نهاية الزمن لئلا نُخال بأننا دائمون على هذه الأرض أو أن عالمنا هذا سيبقى إلى لا نهاية! الزمن يسير بشكل مستمر ولكنه لا يستمر إلى الأبد. وكما أن الزمن كانت
له بداية هكذا ستكون له نهاية وكما كان هناك اليوم هكذا سيكون هناك اليوم الأخير. كل شيء في تاريخ العالم سائر بشكل تدريجي ومستمر إلى النهاية التي أعدها الله تعالى منذ البدء. الزمن لا يسير في حلقات مُغْلَقة كما علّم الفلاسفة الوثنيين بل إنه يسير في خط مستقيم إلى نهاية الأكيدة من قبل الخالق.
وعندما ننظر إلى الحوادث الجارية في عالمنا نرى أنها لا تأتي إلى الوجود بشكل عفوي بل إنها تشير حسب قانون الوجود الذي وضعه الله في الخليقة. هذا ما يُفسر لنا وجود علاقة وثيقة بين ما يجري في هذا اليوم وما سيجري غداً. اختبارات الحياة بأسرها تشير إلى أن الزمن يحمل على تياراته كل شيء ويقودها إلى مصير أكيد ومعين . ولذلك نقول وخاصة بمناسبة نهاية سنة وقدوم سنة جديدة إننا جميعاً مسافرون نحو نهاية أخيرة ويوم أخير.
والكلام عن نهاية الزمن ليس بالأمر النظري أو الفلسفي لأن كلمة الله تُعَلِمنا هذا بكل وضوح. من يقرأ عقيدة خلق العالم في الكتاب المقدس لا بد له أيضاً من قراءة عقيدة نهاية الزمن التي هي من صلب الوحي الإلهي ولا يمكن فصلها مطلقاً عن بقية الحقائق الموحى بها إذ أنها جميعاً تُشكْل وحدة لا تتجزأ ونظاماً فكرياً موحداً مصدره الإله القادر على كل شيء.
نجد في سفر الرؤيا وفي القسم الأخير من الفصل 20 – الذي قرأناه منذ لحظات – وصفا رمزياً لنهاية العالم ولليوم الأخير. وسنتأمل بعون الله في بعض التعاليم المنبثقة من رؤيا يوحنا آخذين بعين الاعتبار سائر تعاليم الوحي المتعلقة بموضوع النهاية.
1: لابد لكل إنسان من المثول أمام الله في نهاية الزمن: ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله .,, هذا يعني أن الجميع سيظهرون أمام عرش الديّان العادل في النهاية, كل من عاش على الأرض منذ أيام آدم إلى آخر مولود، الجميع سيقفون أمام الباري تعالى اسمه. هذا يعني أنك ستظهر أنت وأنا وكل مخلوق عاقل من سكان هذه الأرض. هذا سيتم إن رغبنا في ذلك أم لم نرغب والله لن يستشيرنا فيما إذا كنا نود المثول
في حضرته أم لا.
ويظن البعض الذين تأثروا بتعاليم الفلسفة المادية أو الذين اعتنقوا مبادئها الإلحادية المنكرة لوجود الله ولتعاليم وحيه المقدس بأن الموت هو نهاية الإنسان. يقول هؤلاء أن الإنسان عندما يموت يكون قد وصل إلى نهايته وأنه لا شيء بعد الموت. لكن الله يقول لنا في كتابه عكس ذلك. فالموت ليس بنهاية مطلقة! الموت هو انتقال من مرحلة أولى إلى مرحلة ثانية ونهائية. من يموت لا يكون قد وصل إلى نهاية وجوده بل إلى نهاية حياته على الأرض وإلى بداية حياته ضمن الأبدية. من تَسَلَّح بفلسفة المادية لن يستطيع الهرب من المثول أمام الله في نهاية الزمن!
ويميل الآخرون إلى الاعتقاد بأن الذين لا يؤمنون في هذه الحياة أي الذين لا يتصالحون مع الله بواسطة السيد يسوع المسيح، هؤلاء سينقرضون من الوجود لدى موتهم الجسدي. هذا اعتقاد رَوَّجته وَتُرَوِجه البدع التي لا تود الخضوع لتعاليم كلمة الله لدى نهاية الزمن الجميع سيقامون من الأموات إن كانوا أبراراً أو خطاة وليس فقط أولئك الذين آمنوا. فليحذر إذن كل إنسان من تعاليم بِدَع الهلاك المُخدرة للضمائر وليستعد كل بشري للمثول أمام الديان في اليوم الأخير.
2: في نهاية الزمن سَتُعْلَن الأسرار المكتوبة أمام العلا: وانفتحت أسفار وانفتح سفر الحياة . ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم.،، ما هي الأسفار التي رآها الرسول يوحنا؟ إنها ضمائر الناس التي تُسَجل بكل دقة أمور حيتهم وجميع ما جال في خواطرهم. إن هذه الأسفار هي مغلقة الآن في أيام ما قبل النهاية لأنه لا يوجد إنسان إلا ويريد إخفاء جزء كبير من حياته وأفكاره. لكنه في النهاية لن يبقى شيئاً مكتوباً إلا وسيعلن أمام العلا! ولا بد لنا من الاعتراف أننا لا نرغب في الكلام عن هذا الموضوع لأنه موضوع مقلق. طبعاً هناك بعض الأمور الحسنة التي نريد أن يقف الجميع على معرفتها ولكن ما أكثر المواضيع والأمور والأفكار التي نود رؤيتها في عالم النسيان. نعم هذا موضوع مُقلِق للغاية ولكن الهرب منه مستحيل. كلمة الله تشهد بذلك ومن يقدر أن يهرب بصورة مستديمة من سيف الروح القدس!؟
ولكن كيف يقف الجميع على محتويات ضمائرنا إن كنا نحن غير راغبين في ذلك؟ سيتم فتح الضمائر في نهاية الزمن بسبب وقوفنا جميعاً أمام الله. هذا هو السر الوحيد الذي يُفَسِر حدوث ذلك. من وقف أمام الله الحي لا يقدر أن يستمر في إخفاء أسرار حياته لأنه كل شيء ظاهر أمامه تعالى ليست هناك أسرار بشرية أمام الله. وبما أن الله هو الذي سيدعو الجميع للمثول أمامه في اليوم الأخير فلا بد إذن للجميع من الظهور كما هم بالحقيقة أي كما يراهم الله ذاته لا كما كانوا يتظاهرون وهم في هذه الحياة. يا لها من فكرة مُقْلِقَة! أهناك نجاة من مصير مظلم كالذي ينتظرنا عندما نظهر أمام الله وأمام البشرية بأخطائنا وآثامنا التي ارتكبناها ضد الله وضد أقربائنا من البشر؟
نعم هناك نجاة وخلاص من مصير مظلم كالذي تَكَلمنا عنه إن قمنا الآن أي قبل النهاية وبدون مماطلة أو تسويف أن قمنا بفتح أسفار ضمائرنا أمام الله معترفين أمامه بخطايانا العديدة ومتوسلين إليه أن يغفر ذنوبنا نظراً لاستحقاقات الرب يسوع المسيح. إن آمنا الآن بمن مات على ا لصليب وإن قبلنا بصورة قلبية ذبيحة جسده ودمه ليس علينا أن نخشى المثول أمام الله. وقد قال في هذا ا لموضوع بولس الرسول: من سيشتكي على مختاري الله؟ الله هو الذي يُبَرِر، مَنْ هو الذين يدين ؟ المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا.،،
(رومية 8: 33 و 34 )
3: الدينونة العامة ستتم لدى نهاية الزمن: نتعلم من رؤيا يوحنا أن الدينونة العامة ستحدث في نهاية الزمن . ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم.،، بدون مجيء النهاية لا يمكن أن تتم هذه الدينونة . فاليوم الأخير ليس إذن مُجَرَّد فتح أسفار الضمائر البشرية بل هو أيضاً يوم إعلان قرار الله النهائي بخصوص مصير كل بشري. والسيد المسيح ذاته سيقوم بهذه المهمة الإلهية لأن الدينونة العامة في اليوم الأخير إنما هي مُتَعَلِقة أيضاً بموضوع رجوعه إلى العالم. نعم سيفصل الديَّان البشرية إلى مُعَسْكَرَيْن مختلفين: معسكر المؤمنين الذين نالوا بر الخلاص والذين اختبروا غفران خطاياهم ، ومعسكر غير المؤمنين الذين ثابروا على رفضهم لخلاص الرب المجاني. وعندما يكون الفصل بين الأبرار والخطاة قد تم سيذهب الخالصون إلى النعيم بينما يذهب الأشرار إلى الجحيم! والوجود في الجحيم هو- حسب تعليم الرسول – الموت الثاني الأبدي!
أما بخصوص تفصيلات الدينونة فأن يوحنا يذكر إن الناس دينوا حسب أعمالهم. وقد يظهر ذلك أمراً غريباً إذ أن الكتاب يُعَلِم أن الإنسان يخلص بالنعمة الإلهية لا بواسطة الأعمال. ولكن ليس هناك أي واختلاف بين الخلاص بالنعمة والدينونة حسب الأعمال. لأن كل من اختبر نعمة الله الخلاصية لا بد له من أن يُظْهِر نتائجها في حياته اليومية. أما الذي لم يقبل هِبَةِ الله بل استرسل في محاولاته لإنقاذ نفسه بواسطة جهوده فأن ذلك الإنسان سيرى أن جميع أعماله هي غير كافية لبنيان أساس المصالحة مع الله.
وعلينا أن نذكر الكتاب الآخر الذي دعاه الرسول باسم سفر أو كتاب الحياة. هذا هو السفر الذي تُدَوَّن فيه أسماء مختارى الله أي جميع المؤمنين بيسوع المسيح إيماناً قلبياً وحقيقياً. من وجد اسمه مكتوباً في سفر الحياة أي تلك الحياة الأبدية التي ينعم بها الخالصون يعلم علم الأكيد إنه لن يأتي إلى دينونة بل إن مصيره الأبدي سيكون مع الله وسائر الأبرار من ملائكة وبشر. ولكن كيف يضمن كل إنسان كتابة اسمه في سفر الحياة؟
هل الأمر عبارة عن قضاء أعمى لا نقدر أن نعمل شيء في وجهه؟ كلا إن سفر الحياة هو السفر الذي يكتبه ربنا يسوع المسيح المحب وهو الذي يدعونا بواسطة المناداة بالإنجيل للمجيء إليه والانخراط في سلك تلمذته. الترتيب الإلهي لكل واحد منا اتجاه هذا الموضوع الخطير ليس في أن نقول: عليَّ أن أعرف فيما إذا كان اسمي في سفر الحياة قبل أن أؤمن . كلا الترتيب الإلهي هو: آمن، آمن فتخلص وَيُكْتَب اسمك في سفر الحياة. وإذ تؤمن وتعلم في قلبك أن خطاياك قد غُفِرَت بواسطة المسيح وإن النهاية لن تكون بالنسبة إليك دينونة أبدية بل حياة أبدية، إذ ذاك تُرْجِع أمر خلاصك لا إلى اجتهادك الخاص ولا إلى أي مخلوق بل إلى الله وحده الذي أحبك منذ الأول وقام بكل ما يلزم لإنقاذك من الموت الثاني وَدوِّن اسمك في سفر الحياة. فلنذكر إذن أن الزمن ذاته سينتهي في يوم ما وإننا سنظهر جميعاً أمام عرش الله. وهكذا أنهي الموضوع بهذا السؤال الشخصي الذي أود من الجميع الإجابة عليه في قرار قلوبهم: هل أنت مستعد الآن للظهور أمام الله؟
- عدد الزيارات: 6746