Skip to main content

إصحاح 5، آية 12

12-"عيناه كالحمام على مجاري المياه مغسولتان باللبن جالستان في وقبيهما".

( 3 )"ليس مثل العين في التعبير عما يسكنه الإنسان في الباطن" أنها في صمتها تتكلم بلغة أكثر وضوحا من كلام الشفتين، عندما نظر الرب إلى الجالسين حوله (مر3: 34) كم كانت تحمل تلك النظرة من معاني عميقة! لقد كانت معبرة عما في قلبه من محبة وسرور بأولئك الذين يصنعون مشيئة أبيه _ أولئك هم الذين دعاهم أخوته وأخواته وأمه، ثم عندما انتهره بطرس لأنه تكلم مع تلاميذه عن آلامه وموته "ألتفت الرب وأبصر تلاميذه فانتهره بطرس"(مر8: 33) وما كان أعمق تلك النظرة أيضا! أنها كانت تعبر عن محبته لهم وعن بركتهم الأبدية بواسطة ذلك الموت، ومن يستطيع ان يصف عيني الرب عندما تحدث بهما إلى بطرس وهو في بيت رئيس الكهنة؟(لو22: 61).

في سفر الرؤيا (ص5) يتحدث الرائي عن الخروف الذي له "سبع أعين" وواضح ان الرقم سبعة يشير إلى الملء والكمال "لان عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه"(2أخ16: 9).

وجدير بنا أيها الأحباء ان نتبع نظرات الرب إلينا، فأنه يعلمنا ويرشدنا بنظرات عينيه "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك"(مز32: 8).

* * *

ولقد رأت العروس عيني حبيبها في صورة عن اللطف والوداعة "كالحمام على مجاري المياه" كما رأت فيهما أجمل صورة للطهارة والنقاوة "مغسولتان باللبن" فعواطف المحبة واللطف والحنان تشع من هاتين العينين، ولكنهما في الوقت نفسه تفيضان طهارة وقداسة، وهذه الصفات مجتمعة معا _ اللطف والحنان مع الطهارة والقداسة _ هي ما يريد ان تتصف بها عروسه وحبيبته.

ولكن ما أكبر الفرق بين كما تصفهما العروس وبين عينيه اللتين رآهما يوحنا في جزيرة بطمس "عيناه كلهيب نار"(رؤ1: 14) ففي هذه الصورة الأخيرة يرى كمن يقضي في وسط الكنائس، فنراه في طهارته الفائقة يعمل بسلطانه القضائي لإدانة كل ما لا يتفق مع الحق والقداسة، وترى عيناه بهذه الصورة بسبب التهاون وعدم التقدير لجمال وطهارة عينيه اللتين "كالحمام" وبالتالي لعدم المبالاة بمحبته التي تقود إلى الطهارة والقداسة، وهذا ما وصلت إليه المسيحية بصفة عامة، ولذا رأى يوحنا الرب في صورته القضائية. أما عينا الحبيب المستقرتان على عروسه فأنهما تريان هنا في صورة أخرى أنهما تفيضان عطفا وحنانا على حبيبته، لأنها تعرفه ولا تعرف لها رأسه وسيدا سواه، ولذا فهي تدين له بالطاعة وخضوع المحبة، وتتغنى بجماله وبحلاوة عينيه. لقد تيقنت أنها غرض محبته، وما أسعد هذه الحالة.

* * *

في يوحنا 13 وأفسس5 نرى تقدير الرب لقديسيه ومحبته لكنيسته، فهو في محبته التي أحب بها خاصته يغسل أقدامهم لكي يكونوا طاهرين تماما. نعم لقد "أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب"(أف5) ومن الواضح ان الباعث له على الغسل والتطهير هو محبته، فهو له المجد يعمل بوسائله المقدسة والمطهرة لكي يجعل خاصته في الحالة التي تتفق مع غرض محبته. ان عيني الحبيب تتطلعان إلى عروسه بمحبة كاملة لا تريد ان ترى فيها شيئا من العيب والدنس. أفلا نحرص على ان نكون في هذه الحالة التي ترضيه وتسر قلبه؟ أنه عندما يكون الرب أمامنا وملء أفئدتنا تمتلئ قلوبنا وعواطفنا محبة له وتعلقا به، ولا توجد قوة للتطهير والتنقية أعظم من هذه، وأي شيء يمكن ان يكون أطهر من قلب صار المسيح غرضه الوحيد؟ والعروس إذ تفيض عواطفها محبة وتقديرا لعريسها تبرهن على طهارة ونقاوة تلك العواطف، ولكنها لا تلفت الأنظار إلى ذاتها بل إليه _ إلى حبيبها، أما إذا انحصرت مشغوليتنا بذواتنا فأننا نسير في طريق الانحدار، ولا نجد في المشغولية بالذات علاجا لها، ولكن متى كان المسيح _ المسيح وحده ملء عيوننا وقلوبنا فان ذلك يقودنا إلى الحكم على الذات وبالتالي التحول عن المشغولية بالذات التي دينت في الصليب، وهذا هو السبيل الوحيد لسمو الحياة الروحية.

* * *

عيناه. . . "جالستان في وقبيهما" (أي مستقرتان في مكانهما) أعني ان نظرته لخاصته ثابتة وليس فيها تغيير، فخاصته هم عطية الآب له، ولا يمكن ان يتغير قلبه من نحوهم أو تتحول نظرات محبته عنهم. أنهم في يده ولا يستطيع أحد ان يخطفهم منه، وأخيرا سيكونون معه في المجد حيث هو، وإذا تأملنا مليا في علاقة الرب بخاصته كما هي مبينة في إنجيل يوحنا ص 13إلى 17 نفهم جيدا مغزى قول العروس عن عيني حبيبها بأنهما "جالستان في وقبيهما".

* * *

لقد كانت عينا الإنسان الكامل الرب يسوع المسيح، طوال أيام حياته على الأرض، جالستين ومستقرتين في وقبيهما، فلم تؤثر عليهما مباهج ومغريات هذا العالم، كما عم تزعجها الآلام التي كانت أمامه. فقد أخذه إبليس فوق جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها ان خررت وسجدت لي فأنتهره الرب وقال له أذهب يا شيطان. لأنه، مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. حقا ما أكبر الفرق بين الرب يسوع الإنسان الثاني وبين الإنسان الأول، فان حواء إذ رأت (بعينيها) ان الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وان الشجرة شهية للنظر أخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل، كما ان سليمان أحكم إنسان في يومه لم تكن له العينان المستقرتان فقد قال بحق عن نفسه "مهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما"(جا2: 10).

وكما ان الرب له المجد لم تبهر عينيه مباهج وأمجاد هذا العالم، فان أحزان جثسيماني وآلام الجلجثة لم تجعله يرتد إلى الوراء "السيد الرب فتح لي أذنا وأنا لم أعاند. إلى الوراء لم أرتد. بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق. . . لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أني لا أخزي"(أش50: 5-7) فقد كانت عيناه جالستين ومستقرتين في وقبيهما فلم ترهبه الآلام التي كانت أمامه "وحين تمت الأيام لارتفاعه (فوق الصليب) ثبت وجهه لنطلق إلى أورشليم"(لو9: 51) ما أعظمه مثالا لنا نحن الذين قبلناها مخلصا وربا ومثالا كاملا لنا "لتنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيما"(أم4: 25) ليحفظنا الرب من "شهوة العيون".

* * *

  • عدد الزيارات: 5214